أخذ الفراء يردد النظر في العوامل والمعمولات التي فرضها البصريون على النحو وقواعده، وتحول ذلك عنده إلى ما يشبه سباقا بينه وبينهم، وأحيانا يلتقي بهم وبخاصة بالأخفش على نحو ما مر بنا في ترجمته، وأحيانا يفترق، ويهمنا أن نقف عند مواضع افتراقه؛ لأنها هي التي تفرق النحو الكوفي، كما تصوره، من النحو البصري.
ونقف أولا عند العوامل، ومر بنا أنه كان يرى ما رآه الأخفش من أن العامل في رفع المضارع هو تجرده من العوامل، أو كما قال: هو تجرده من الناصب والجازم. وكان البصريون يذهبون إلى أن العامل في المفعول به هو الفعل السابق له أو ما يشبهه من مصدر واسم فاعل، وكان الكسائي يذهب إلى أن العامل فيه هو خروجه عن وصف الفعل. وذهب الفراء إلى أن العامل فيه هو الفعل والفاعل معا، وبذلك عدَّد العامل فيه١، كما عدَّده في مثل:"قام وقعد محمد" إذ جعل لفظة محمد في مثل هذا التعبير فاعلا للفعلين معا، على نحو ما أسلفنا في غير هذا الموضع. وعدده أيضا في مثل:"يا تيمَ تيمَ عدي" إذ جعل كلمتي "تيم" مضافتين معا إلى عدي. وقد يكون هذا الرأي أوجه من رأي سيبويه, إذ ذهب إلى أن "تيم" الأولى هي المضافة إلى عدي والثانية مقحمة بين المضاف والمضاف إليه، والأصل "يا تيم عدي تيمه", فحُذف الضمير من تيم الثانية وأقحمت. وذهب المبرد إلى أن "تيم" الثانية مضافة إلى عدي مقدرة، أي: إنها