هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، كان أبوه مولى روميا، وربما كان اسمه جني تعريبا لكلمة gennaius اليونانية، وقد ولد له ابنه عثمان حوالي سنة ٣٢٠ للهجرة، ويبدو أنه رأى فيه مخايل ذكاء فدفعه إلى التعلم، ولم يلبث أن منح عنايته لعلوم اللغة، فأكب على دروس أحمد بن محمد الموصلي النحوي مواطنه. وأغلب الظن أنه نزل بغداد مبكرا، ففي تصانيفه ترداد لذكر بعض تلاميذ المبرد مثل محمد بن سلمة وبعض تلاميذ ثعلب مثل ابن مقسم، غير أنه سرعان ما عاد إلى الموصل، وأخذ يدرس للطلاب في مسجدها، وهو في أثناء ذلك يتعرض للأعراب الفصحاء ويأخذ عنهم مثل أبي عبد الله الشجري الذي يتردد ذكره في الخصائص. وحدث أن مر بحلقته في سنة ٣٣٧ للهجرة أبو علي الفارسي إمام النحاة في عصره، فأعجبه ذكاؤه، وتعجب من قعوده للدرس والإملاء قبل نضجه، فقال له: لقد أصبحت زبيبا وأنت حِصْرِم، وكأنما دلعت هذه الكلمة نارا في قلبه، ليستكمل أداته، ولم يجد خيرا من ملازمة هذا الإمام الفذ، فلزمه أربعين سنة متنقلا معه في رحلاته، مشغوفا بآرائه, مبهورا بفطنته
١ انظر في ترجمة ابن جني: نزهة الألباء ص٣٣٢، ويتيمة الدهر ١/ ٨٩، ودمية القصر ص٢٩٧، وتاريخ بغداد ١١/ ٣١١، ومعجم الأدباء ١٢/ ٨١، وإنباه الرواة ٢/ ٣٣٥, ومرآة الجنان ٢/ ٤٤٥, وابن خلكان ١/ ٣١٣, وشذرات الذهب ٣/ ١٤٠, وروضات الجنات ص٤٦٦، وبغية الوعاة ص٣٢٢.