للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودقة أقيسته وتعليلاته، ومن يقرؤه في كتبه المطبوعة وخاصة الخصائص يحس أن مادة علمه مستمدة من أستاذه، وكأنه كان قلما في يده يسجل كل خواطره ولفتاته النحوية والصرفية، وهي لفتات وخواطر اندفع ينميها ويضيف إليها من عقله الخصب النادر ما جعله يتقن ظواهر التصريف والنحو علما وفقها وتأويلا وتحليلا، بل ما جعله يرث إمامة أستاذه، بل لعله بذَّه وخاصة في وضع أصول التصريف على نحو ما يتضح في الخصائص. وأتاحت له رفقته بأبي علي أن يتعرف في بلاط سيف الدولة على المتنبي وأن تنعقد بينهما صداقة رفيعة، فيشرح ديوانه، حتى إذا توفي رثاه رثاء رائعا احتفظ به القفطي في إنباه الرواة. وأتاحت له تلك الرفقة أيضا أن يحظى برعاية البويهيين وأن تعلو مكانته عندهم. وقد خلف أستاذه في التدريس ببغداد حين لبى نداء ربه، وظل يوالي التصنيف والتأليف، حتى توفي سنة ٣٩٢ للهجرة.

وهو ممن أكثروا من التصنيف حتى بلغت مصنفاته نحو الخمسين، وبينها مصنفات وَقَفَها على تسجيل كلام أستاذه الفارسي مثل: "اللمع وذي القدّ وتأييد تذكرة أبي علي". وله مصنفات مختلفة حول المتنبي تفسيرا لشعره ودفاعا عنه أمام خصومه. ومن أهم مصنفاته كتاب "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها", وقد نشر منه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة الجزء الأول.

والقسط الأكبر من نشاط ابن جني إنما كان في علم التصريف، ودفعته رغبته في التعمق فيه إلى أن يقرأ على أستاذه الفارسي كتاب التصريف للمازني الذي كان يعد أنفس ما أُلف في هذا العلم حتى عصره، وعمد إلى شرحه في كتابه المنصف الذي نشرته الإدارة العامة للثقافة بالقاهرة في ثلاثة أجزاء، وفيه يناقش مادته مناقشة واسعة، مضيفا ما لا يحصى من ملاحظاته الطريفة كملاحظته أن الأفعال قد تُشتق من أسماء الأعيان, وقوله: إننا إذا اشتققنا فعلا من سفرجل قلنا: سفرج يُسفرج سفرجة، فهو مسفرج١، ومثل ملاحظته أن الأفعال


١ المنصف: شرح كتاب التصريف للمازني ١/ ٣٣.

<<  <   >  >>