للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد تُشتق من الحروف كاشتقاق قوَّف من القاف وكوَّف من الكاف ودول من الدال، فيقال: "قوَّفت قافا وكوفت كافا ودولت دالا"١.

ونُشر لابن جني أيضا في القاهرة الجزء الأول من سر صناعة الإعراب، وهو دراسة صوتية واسعة لحروف المعجم ومخارجها وصفاتها، وما يحدث في صوت الكلمة من إعلال وإبدال وإدغام ونقل وحذف، وما يجري في حروفها من تلاؤم يؤدي إلى جمال الجرس. وطبع له كتاب التصريف الملوكي، وهو كتاب يتناول هذا العلم بمعناه الدقيق، فيتحدث عن المجرد والمزيد والإبدال والتغيير بالحركة والسكون والحذف والإعلال، مع تدريبات صرفية كثيرة. وأهم كتبه في هذا العلم الخصائص الذي حاول فيه محاولة رائعة هي وضع القوانين الكلية للتصريف، وحقا إنه أفاد في كثرة هذه القوانين من ملاحظات أستاذه الفارسي على نحو ما مر بنا منذ قليل، ولكن من الحق أيضا أنه أضاف إليها من ملاحظاته واستقصاءاته للأمثلة اللغوية وحسه الدقيق بأبنية اللغة وتصاريفها ما شخَّصها وجسَّمها تمام التجسيم, وقد مضى يستخلص قوانين كلية أخرى لم يقف عندها أستاذه، وبذلك استطاع أن يضع للتصريف أصولا على المذهب الذي سبقه إليه علماء الكلام والفقه في وضع أصولهم، وهي أصول يصدق منها جانب كبير على النحو ومسائله وقضاياه العامة كالإعراب والبناء وعلله، وقد ذهب إلى أنها أقرب من علل الفقهاء إلى علل المتكلمين، إذ تتعرض لمسائل ميتافيزيقية في طبيعة العرب وسلائقهم. وأفاض في بيان العلل النحوية, منكرا تقسيم ابن السراج وتلميذه الزجاجي لها إلى علل أولى وثوانٍ وثوالث, ذاهبا إلى أن العلل الأخيرة تتميم للعلل الأولى، وليس هناك علة للعلة ولا علة لعلة العلة٢. ويعرض في تفصيل للاطراد والشذوذ في التصريف والنحو كما يعرض لعوامل الإعراب في الكلم, وأن النحاة قسموها إلى معنوي مثل الابتداء, ولفظي مثل عمل المبتدأ في الخبر، ويقول: إن العامل الحقيقي في إعراب الكلم إنما هو المتكلم٣، ويتحدث عن تعارض السماع والقياس أحيانا قائلا: "اعلم أنك إذا أدَّاك القياس إلى شيء ما، ثم سمعت


١ المنصف ٢/ ١٥٤.
٢ الخصائص ١/ ١٧٣.
٣ الخصائص ١/ ١٠٩ وما بعدها.

<<  <   >  >>