للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العرب قد نطقت فيه بشيء آخر على قياس غيره, فدَعْ ما كنت عليه إلى ما هم عليه"١. ويطبق قاعدة الاستحسان في الفقه الحنفي على بعض الأبنية. ونحس أثر المباحث الفقهية حين يتحدث عن حمل الفرع على الأصل والعكس٢, والحمل على الظاهر٣، وغلبة الفروع على الأصول٤, واختلاف اللغات وكلها حجة على نحو ما يختلف الفقهاء٥، ويعود مرارا إلى مراجعة الأصول والفروع٦ ويتحدث عن تركيب المذاهب وعن وجوب الجائز. ويستعير من المتكلمين حديثهم عن السبب والمسبب٧ والمستحيل٨. ولعل في ذلك كله ما يدل في وضوح على أنه تأثر في وضع أصول التصريف والنحو بأصول الفقهاء والمتكلمين جميعا.

ويرد ابن جني في الخصائص وغيره حديثه عن البصريين باسم أصحابنا كما مر بنا في غير هذا الموضع، وكثيرا ما يضعهم مقابل البغداديين٩، وكأنما ينزع نفسه منهم نزعا، وقد أسلفنا أنه يريد بالبغداديين أوائلهم ممن كانوا ينزعون إلى الكوفة مثل ابن كيسان، وهم حقا من ذوق غير ذوقه ومن هوى غير هواه، فهو بغدادي من طراز آخر، طراز أستاذه أبي علي الفارسي والزجاجي، طراز كان ينزع إلى البصريين، وهو الطراز الذي عم وساد منذ النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، وكان هو وأستاذه من أهم الأسباب في شيوعه، إذ كانا ينتخبان من المذهبين البصري والكوفي مع نزعة شديدة إلى البصريين، ومع الفسحة وفتح الأبواب على مصاريعها للاجتهاد ومخالفة البصريين والكوفيين بقدر ما يؤديهما النظر وتسعفهما الحجة.

ونستطيع أن نرجع إلى الآراء المنثورة لابن جني في كتاباته المنشورة وفي المراجع النحوية، فسنراه يطبق هذا المنهج تطبيقا دقيقا، إذ كان يوافق البصريين في


١ الخصائص ١/ ١٢٥.
٢ الخصائص ١/ ١١١، وانظر ١/ ٢٠٨ حيث يصرح بأنه يستضيء بأبي حنيفة في حديثه عن الدور والوقوف منه على أول رتبة.
٣ الخصائص ١/ ٢٥١.
٤ الخصائص ١/ ٣٠٠.
٥ الخصائص ٢/ ١٠.
٦ الخصائص ٢/ ٣٤٢ وما بعدها.
٧ الخصائص ٣/ ١٧٣.
٨ الخصائص ٣/ ٣٢٨.
٩ الخصائص ١/ ١٣٧.

<<  <   >  >>