الشائع على نحو موقفه وموقف الفراء من إعمال أسماء المبالغة على نحو ما مر بنا في غير هذا الموضع.
وقد مضى الفراء -في أثر أستاذه- يتسع بهذه الجوانب، وكان عقله أدق وأخصب من عقل الكسائي، إذ كان مثقفا -كما أسلفنا- ثقافة كلامية فلسفية، فكانت قدرته على الاستنباط والتحليل والتركيب واستخراج القواعد والأقيسة والاحتيال للآراء وترتيب مقدماتها لا تُقْرَن إليها قدرة أستاذه، وقد تحول بها إلى تنظيم واسع لما تركه من أسس بانيا عليه من اجتهاده ما أعطى النحو الكوفي صورته النهائية، وهي صورة تقوم على الخلاف مع نحاة البصرة في كثير من الأصول، مع النفوذ إلى وضع مصطلحات جديدة والخلاف مع الخليل وسيبويه في تحليل بعض الكلمات والأدوات وفي كثير من العوامل والمعمولات، ومع مد القياس وبسطه ليشمل كثيرا من اللغات، والإبقاء مع ذلك على فكرة الشذوذ ومخالفة القياس حتى في القراءات.
أما الأصول, فقد خالف البصريين فيها في أربع مسائل أساسية، أما المسألة الأولى فعدم تفرقته بين ألقاب الإعراب والبناء، على نحو ما مر بنا في حديثنا عن مدرسة الكوفة، وكان حريا به أن يفصل بينهما كما فصلت مدرسة البصرة؛ تمييزا للألقاب التي يتبعها التنوين من الأخرى التي لا يتبعها. والمسألة الثانية هي أن المصدر مشتق من الفعل، لا كما ذهب إليه البصريون من أن المصدر هو الأصل والفعل مشتق منه، وكان يؤيد رأيه هو والكوفيون بأن المصدر يصح بصحة الفعل ويعتل باعتلاله، فتقول: قِوام من قاوم وقيام من قام، وأن الفعل يعمل فيه النصب، تقول: كتب كتابة، وأنه يؤكده كالمثال المذكور، والمؤكد يتلو ما يؤكده، وأيضا فإنه توجد أفعال لا مصادر لها مثل نعم وبئس وليس، إلى غير ذلك من حجج تحاور معهم فيها البصريون طويلا, مؤيدين رأيهم ببراهين كثيرة١. والمسألة الثالثة هي إعراب الأفعال، وأنه أصل فيها كالأسماء لا أنه أصل في الأسماء
١ الإنصاف: المسألة رقم ٢٨, وانظر الإيضاح في علل النحو للزجاجي ص٥٦، ٦٢.