للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على هذا التفسير بقوله: "وإن شئت جعلت الآن أصلها من قولك: آن لك أن تفعل، أدخلت عليها الألف واللام ثم تركتها على مذهب فَعَل "أي: على أصلها الفعلي", فأتاها النصب من نصب فَعَل، وهو وجه جيد"١.

وكان يذهب إلى أن أصل "الذي" ذا المشار بها وكذلك أصل "التي" تي المشار بها٢. ومر بنا في ترجمة الخليل توجيهه لمنع الصرف في أشياء, وأنه حدث فيها قلب أتاح لها منع الصرف، إذ وزنها لفعاء لا أفعال كما قد يتبادر، وذهب بعض النحويين إلى أن جمعها أفعال غير أنها أشبهت فعلاء مثل حمراء, فمنعوها من الصرف توهما، وذهب الفراء إلى أنها جمعت على أفعلاء مثل بيِّن وأبيناء، فأصبحت أشيئاء، وحذفت الهمزة من وسطها لكثرتها في الاستعمال، فأصبحت أشياء٣. ومن آرائه الطريفة أن أصل "بلى" التي يُجاب بها في النفي في مثل: أليس معك الكتاب؟ فيقال: بلى للدلالة على الرجوع عن النفي، يقول: أصلها: بل العاطفة في مثل: ما قام زيد بل عمرو، إذ بل تدل في هذا التعبير على الرجوع عن النفي، بالضبط مثل بلى في جواب الاستفهام عن النفي، وكل ما في الأمر أنهم زادوا عليها ألفا حتى تصلح للوقوف عليها٤. ومر بنا في ترجمة الكسائي تفسيره لإلا الاستثنائية.

وعلى هذه الشاكلة كان الفراء يحاول -بكل جهده- أن يضع تفسيرا جديدا لبعض الكلمات والأدوات, كما كان يحاول جاهدا أيضا أن يضع في النحو مصطلحات جديدة، مستعينا في ذلك كله بعقله المتفلسف الخصب. وما زال يلح في ذلك حتى استطاع حقا أن يكون للكوفة مدرسة مستقلة في النحو، لا كل الاستقلال، فهي لا تزال تعتمد على ما وضعت البصرة من أسس، ولكنها في الوقت نفسه تحاول التميّز والتفرّد وأن تكون لها شخصيتها المستقلة، وقد أتيح لها ذلك على يد الفراء لا من حيث ما قدمنا من تحليل بعض الأدوات والكلمات وجلب مصطلحات مبتكرة فحسب، بل أيضا من حيث النفوذ إلى


١ معاني القرآن ١/ ٤٦٧ وما بعدها.
٢ الهمع ١/ ٨٢.
٣ معاني القرآن ١/ ٣٢١.
٤ معاني القرآن ١/ ٥٣.

<<  <   >  >>