للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} وقال: إن الواو معناها السقوط, أي: زائدة في جواب إذا متابعا في ذلك الأخفش, ومثَّل لسقوطها في الجواب بآية الصافات: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ} فإن ناديناه هي الجواب في رأيه، وكذلك بقوله تعالى في سورة الزمر: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} مستدلا بآية مماثلة في نفس السورة, إذ حذفت فيها من نفس العبارة الواو، وتمثل بقول بعض الشعراء:

حتى إذا قملت بطونكم ... ورأيتم أبناءكم شبوا١

وقلبتم ظهر المجن لنا ... إن اللئيم العاجز الخب٢

فإن "قلبتم" وهي الجواب زادت في أولها الواو. والبصريون يؤولون مثل ذلك بأن الجواب محذوف، والواو عاطفة الجملة المذكورة معها عليه٣. وجوز في الآية الكريمة: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} أن يكون كل من الحرفين: اللام ومن وُضع في مكان صاحبه، على طريقة القلب المكاني، وقال: إن ذلك طريقة معروفة للعرب في تعبيرهم، واستشهد له بقول بعض الشعراء:

إن سراجا لكريم مفخره ... تحلى به العين إذا ما تجهره

قائلا: "العين لا تحلى, إنما يحلى بها سراج؛ لأنك تقول: حليتَ بعيني، ولا تقول: حليت عيني بك إلا في الشعر"٤. ووقف بإزاء قراءة الآية: "فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لَا تَخَفْ دركا ولا تخشى" ملاحظا أن الفعل الأخير في هذه القراءة: "ولا تخشى" معطوف على فعل مجزوم وأثبتت فيه الألف، ووجه ذلك بأنه قد يكون مستأنفا وقد يكون في موضع جزم وإن كانت فيه الياء, واحتج بأن العرب قد تصنع ذلك، موردا قول بعض بني عبس:

ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد٥


١ قملت: كثرت. بطونكم: عشائركم.
٢ المجن: الترس، وقلب ظهر المجن: كناية عن المعاداة. والخب: الغادر.
٣ معاني القرآن ١/ ٢٣٨، والمغني ص٤٠٠.
٤ معاني القرآن ١/ ١٣١.
٥ اللبون: الناقة غزيرة اللبن.

<<  <   >  >>