للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شأن محذوفا هو اسمها والجملة خبرها لمجيء ذلك كثيرا على لسان الشعراء, كقول بعضهم:

إذا مت كان الناس صنفان شامت ... وآخر مثن بالذي كنت أصنع١

وقد يقف لينص على أن العرب قد يغلطون، يقول تعليقا على قراءة الحسن البصري آية يونس: "وَلَا أَدْرَأْتُكُمْ بِهِ" في مكان القراءة المشهورة: {وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} بعد أن صحح قراءته: "وربما غلطت العرب في الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز، فيهمزون غير المهموز، سمعتُ امرأة من طيئ تقول: رثأت "أي: رثيت" زوجي بأبيات، ويقولون: لبَّأت "أي: لبيت" بالحج, وحلأت "أي: حليت" السويق، فيغلطون؛ لأن حلأت قد يقال في دفع العطاش من الإبل، ولبأت: ذهب إلى اللبأ "اللبن عقب الولادة" الذي يؤكل، ورثأت زوجي: ذهبت إلى رَثِيئة اللبن, وذلك إذا حلبت الحليب على الرائب"٢.

ولعلنا بكل ما قدمنا نكون قد عرفنا موقف الفراء من كلام بعض العرب، فهو قد يخطئهم. وقد يرد بعض ما سمعه منهم مؤمنا بأنه شاذ لا يقاس عليه ولا يصح طرده في العربية. وإذن فما يتردد في بعض الكتابات من أن البصرة كان تخطئ العرب بينما كانت الكوفة تقبل كل ما يروى عنهم، حتى لربما بنت على الشاهد الواحد قاعدة غير صحيحة. وهي حقا قد تتوسع في القياس على نحو ما رأينا عند الفراء أحيانا من بنائه قاعدة دخول اللام على خبر كأن لشاهد واحد سمعه. ولكن ليس معنى ذلك أنها كانت تصنع ذلك بكل شاهد، بل لقد كانت تتكاثر الشواهد أحيانا، وترفض القاعدة والقياس على نحو ما رفض الفراء إمامها الحقيقي إعمال إن النافية. وأدخل من ذلك في الغلط على الكوفة ونحاتها ما تحدثنا عنه في الفصل الخاص بنشأة نحوها مما يقال عنها من أنها تعتد بالقراءات، بينما كانت البصرة كثيرا ما تعدل عن هذا الاعتداد، وقد أوضحنا هناك خطأ هذا القول وأن سيبويه والخليل جميعا لم يردّا قراءة من القراءات وأن الأخفش احتج في غير موضع لبعض القراءات التي يظن أنها خارجة على


١ الهمع ١/ ١١١.
٢ معاني القرآن ١/ ٤٥٩.

<<  <   >  >>