للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرى: يسكنها، إذا تحرك ما قبلها فيقول: ضربته ضربا شديدا، وكان ينبغي أن يحمل القراءة على هذه اللغة مباشرة دون تشكيك فيمن قرءوا بها, وأنهم ربما توهموا خطأ أن الجزم على الهاء لا على ما قبلها١. وقرأ القراء: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} برفع {ثَمُودُ} ونصبها، ووجه سيبويه النصب على أن أما أشبهت الفعل فثمود منصوبة بها، أما الرفع فعلى أنها مبتدأ. ورد الفراء قراءة النصب قائلا: "وجه الكلام في ثمود الرفع؛ لأن أما تحسن في الاسم ولا تكون في الفعل"٢. وكان حسبه أن يقول: قراءة الرفع أفصح. ووقف بإزاء الآية الكريمة: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} وقال: نصب الأرحام يريد: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، ثم ذكر قراءة إبراهيم النخعي لها -وكان يتابعه في ذلك حمزة- بالجر عطفا على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، وقال: "في ذلك قبح؛ لأن العرب لا ترد "لا تعطف" مخفوضا على مخفوض, وقد كنيى عنه "أي: أضمر كالهاء في به" ... وإنما يجوز هذا في الشعر لضيقه"٤. وقد حمل صاحب الإنصاف البصريين مسئولية تضعيف هذه القراءة٤, مع أن الفراء -كما رأينا- هو أول من ضعفها، وتبعه في ذلك المبرد٥، فحمل ذلك النحاة على البصريين عامة، ومر بنا في ترجمة الأخفش أنه كان يصحح هذه القراءة مستمدا منها الحكم بجواز العطف على الضمير المخفوض بدون إعادة الخافض. وعرض الفراء لقراءة "وعَبُدَ الطاغوت" بضم الباء، وقال: إن تكن فيه لغة مثل حَذِر بكسر الذال وحَذُر بضمها فهو وجه، وإلا فإنه أراد قول الشاعر:

أبني لبينى إن أمكم ... أمة وإن أباكم عبد

وهذا "أي: تحريك الحرف المتوسط بالضم" في الشعر يجوز لضرورة القوافي، فأما في القراءة فلا٦. وأنكر قراءة ابن عامر مقرئ أهل الشام للآية الكريمة: "وكذلك زُيِّنَ لكثير من المشركين قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ" بالفصل بين قتل


١ انظر معاني القرآن ١/ ٢٢٣، وراجح ٢/ ٧٥.
٢ معاني القرآن ١/ ٢٤١.
٣ معاني القرآن ١/ ٢٥٢.
٤ الإنصاف: المسألة رقم ٦٥.
٥ ابن يعيش ٣/ ٧٨.
٦ معاني القرآن ١/ ٣١٤.

<<  <   >  >>