ورأى أن يضم إلى ذلك زادا من القراءات والحديث النبوي والفقه والشعر والأخبار، ووجد عند أستاذه سلمة عتادا من قراءات القراء، وصله بما ثقفه من حلقات القراء الآخرين وما قرأه عند الفراء، مما أتاح له أن يصنف في القراءات كتابا، وأن يكون صاحب قراءة يحملها عنه بعض تلاميذه, وفي مقدمتهم أبو بكر بن مجاهد. واختلف إلى حلقات المحدثين، وخاصة عبيد الله بن عمر القواريري، وفي بعض الروايات عنه أنه سمع منه مائة ألف حديث. وطبيعي أن يختلف إلى حلقات أحمد بن حنبل أكبر المحدثين والفقهاء في عصره، ويظهر أنه حمل عنه مذهبه الفقهي، إذ نجد أصحاب كتب التراجم للحنابلة تسلكه بينهم. وثقف كثيرا عن رواة الأخبار والأشعار، وفي مقدمتهم عمر بن شبة ومحمد بن سلام الجمحي صاحب كتاب طبقات فحول الشعراء، والزبير بن بكار الراوية الأخباري.
وبجانب هذه المادة الغزيرة التي رواها شفاها نجده يعكف على قراءة كتاب سيبويه وكتب الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة. وتتردد قراءته للكتاب في ترجمته ويقال: إنه لم يقرأه على العلماء وإنما قرأه بنفسه، وفي أخباره أنه طلب من أبي حاتم السجستاني أن ينسخ له كتاب المسائل للأخفش فلبى طلبه. وفي محاورة بينه وبين الرياشي لسنة ٢٣٠ للهجرة ما يدل دلالة واضحة أنه كان قد حذق النحو الكوفي والبصري جميعا. ويقول ياقوت: إنه كان متبحرا في مذهب البصريين غير أنه لم يكن مستخرجا للقياس ولا طالبا له. وقد بدأ تصنيف الكتب وسنه لا تتجاوز الثالثة والعشرين، وسرعان ما أخذ يلقي محاضراته على الطلاب، وهو في الخامسة والعشرين، وظل أكثر من ستين عاما يملي عليهم، وهم يقصدونه من كل صوب؛ لما أتقنه من المعرفة بالغريب ورواية الشعر ومعرفة النحو على مذهب الكوفيين، بل لقد أصبح إمام هذا النحو وعَلَمه المفرد في عصره.
وكان طوال حياته في بحبوحة من العيش، إذ أخذ يرعاه بعض ذوي الجاه والثراء -كما حدث عن نفسه- منذ سنة ٢٢٣ للهجرة، وممن تولاه برعايته محمد بن عبد الله بن طاهر صاحب شرطة بغداد, وقد اتخذه مؤدبا لابنه طاهر، وظل