للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه العرب وهم حجة؟ قال: أعمل على الأكثر، وأسمي ما خالفني لغات". ورُويت له في كتب النحاة بعض آراء نحوية قليلة، من ذلك أنه كان يرى أن المنصوب في قولهم: "حبذا محمدٌ رجلًا" تمييز لا حال١. وكان يترك صرف سبأ في قوله تعالى: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} وكأنه جعله اسما للقبيلة٢. والحق أنه لم يكن نحويا بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، إنما كان لغويا وراويا ثقة من رواة الشعر القديم، إذ كان قد سمع عن العرب وأكثر من السماع.

يونس ٣ بن حبيب:

من موالي بني ضَبَّة، وقد لحق ابن أبي إسحاق وروى عنه، إذ وُلد سنة ٩٤ للهجرة، وعاش طويلا، إذ توفي سنة ١٨٢, ويظهر أنه اختلف إلى حلقات عيسى بن عمر، وقد لزم أبا عمرو بن العلاء، ورحل إلى البادية وسمع عن العرب كثيرا، مما جعله راويا كبيرا من رواة اللغة والغريب، ولعل ذلك ما جعله يصنف كتابا في اللغات. وكانت حلقته في البصرة تغص بالطلاب، وفي مقدمتهم أبو عبيدة اللغوي وسيبويه، واسمه يتردد في كتابه، ولكن غالبا في شواهد اللغة لا في الآراء النحوية، فسيبويه -على ما يبدو- لم يكن يعجب بتلك الآراء، وكان الخليل قد استولى عليه، فلم يكد يترك فيه بقية لغيره وخاصة في قواعد النحو وأقيسته، وبذلك غدا يونس في نحوه وما وضعه من أقيسة أمة وحده، وتنبه إلى ذلك القدماء، فقالوا: "كانت ليونس مذاهب وأقيسة تفرد بها". ونحن نسوق طائفة من آرائه التي تخالف آراء سيبويه وأستاذه الخليل، من ذلك أن الخليل كان يرى أن الزائد في مثل قطّع هو الحرف الأول، وكان يونس يرى أنه الحرف الثاني٤. وكان


١ المغني لابن هشام "طبعة دار الفكر بدمشق" ص٥١٥, وكان يذهب إلى أن بني تميم تهمل ليس مع إلا حملا على ما, كقولهم: ليس الطيب إلا المسك بالرفع "همع الهوامع" ١/ ١١٥.
٢ الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري "طبعة أوروبا" ص٢٠٧.
٣ انظر في ترجمة يونس أبا الطيب اللغوي ص٢١, والسيرافي ص٣٣, وابن الأنباري ص٤٩, ومعجم الأدباء ٢٠/ ٦٤, وابن الجزري ٢/ ٤٠٦, وشذرات الذهب ١/ ٣٠١, وبغية الوعاة ص٤٢٦.
٤ الخصائص ٢/ ٦١.

<<  <   >  >>