للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد قال: إن الشيب "أسود" من الظلم، والبصريون لا يجيزون ذلك بينما يجيزه الكوفيون١. ولا يتسع المقام لعرض مثل هذه الشذوذات الكوفية عنده، وشعره يزخر بها، حتى لكأنما رأى أن يكون ديوانه معرضا واسعا لها.

ويلقانا في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري أبو الحسين أحمد٢ بن فارس المتوفى سنة ٣٩٥ للهجرة, وفيه يقول القفطي: "طريقته في النحو طريقة الكوفيين" غير أن أكثر عنايته إنما صبها على المباحث اللغوية, ومن أشهر كتبه: معجم مقاييس اللغة وهو منشور، وفيه يرد معاني مفردات المادة اللغوية إلى معنى واحد. وقد جمع كثيرا من المسائل اللغوية في كتابه الصاحبي الذي صنفه للصاحب بن عباد وزير البويهيين بالري. ويقول مترجموه: إن له مصنفا في النحو سماه المقدمة، ومصنفا آخر باسم "اختلاف النحويين", وأكبر الظن أنه ناقش فيه كثيرا من المسائل النحوية التي اختلف فيها البصريون والكوفيون, موردا على الأولين كثيرا من الحجج والبراهين التي تؤيد رأي الأخيرين، ويقول القفطي: إنه كان كثير الحجاج والجدال، مما يؤكد أنه أسهم بقوة في احتجاجات الكوفيين.

ولعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن آخر النحاة الذين استظهروا آراء المدرسة الكوفية في مصنفاتهم ابن آجروم٣ الصنهاجي المغربي صاحب المتن المشهور باسم الآجرومية، وفيه نراه يذهب إلى أن السكون في فعل الأمر سكون جزم لا سكون بناء، بالضبط كما كان يذهب الكوفيون. وذهب مذهبهم في عده "كيفما" بين أدوات الشرط الجازمة. وجعل -مثلهم- حتى وأو والفاء والواو تنصب المضارع مباشرة دون تقدير أن المصدرية كما ذهب إلى ذلك الخليل والبصريون, وتابع الكوفيين أيضا في بعض المصطلحات مثل النعت وعطف النسق.

وسنرى المدرسة البغدادية منذ أبي علي الفارسي تمزج بين النحويْنِ البصري


١ الإنصاف: المسألة رقم ١٦.
٢ انظر في ترجمة ابن فارس: نزهة الألباء ص٣٢٠, ومعجم الأدباء ٤/ ٨٠، والفهرست ص٨٠, واليتيمة ٣/ ٣٦٥، وإنباه الرواة ١/ ٩٣, ومقدمة مقاييس اللغة "طبع دار المعارف", وبغية الوعاة ص١٥٣.
٣ راجع في ترجمة ابن آجروم: بغية الوعاة ص١٠٢، وجذوة الاقتباس "طبع فاس" ص١٣٨.

<<  <   >  >>