للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكتفون بذلك، بل يسيرون في اتجاههم من كثرة التعليلات والنفوذ إلى بعض الآراء الجديدة، وبذلك يتيحون لمنهج البغداديين ضروبا من الخصب والنماء.

ولعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن الأعلم١ الشنتمري المتوفى سنة ٤٧٦ للهجرة هو أول من نهج لنحاة الأندلس في قوة هذا الاتجاه، فقد كان لا يكتفي في الأحكام النحوية بالعلل الأولى التي يدور عليها الحكم مثل أن كل مبتدأ مرفوع، بل كان يطلب علة ثانية لمثل هذا الحكم يوضح بها لماذا رُفع المبتدأ ولم ينصب، يقول ابن مضاء: "وكان الأعلم -رحمه الله- على بصره بالنحو, مولعا بهذه العلل الثواني، ويرى أنه إذا استنبط منها شيئا فقد ظفر بطائل"٢. وكان ما يزال يختار لنفسه من آراء البصريين والكوفيين والبغداديين، من ذلك اختياره رأي السيرافي البصري في أن "مِنْ" تأتي مرادفة لربما إذا اتصلت بما، وبذلك خرّجا عبارة سيبويه في الكتاب: "واعلم أنهم مما يحذفون كذا"٣. ومن ذلك اختياره رأي الفراء إمام الكوفة في أن الفاء قد تزاد في الخبر إذا كان أمرا أو نهيا فقط مثل: "زيد فكلمْه" و"زيد فلا تكلمْه"٤. وكان يخِّرج ما ذهب إليه الكسائي من أن العرب تقول: "فإذا هو إياها" في مثل العبارة: "كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور, فإذا هو هي" على أن إياها مفعول مطلق، والأصل: فإذا هو يلسع لسعتها، ثم حذف الفعل كما تقول: "ما زيد إلا شُرْبَ الإبل" ثم حذف المضاف٥, وواضح ما في ذلك من تقدير بعيد. وكان بعض النحاة يذهب إلى أن رَحْمانا في مثل: "تبارك رحمانا" تمييز، وذهب الأعلم إلى أنه عَلَم منصوب بإضمار أخص، وصوب رأيه ابن هشام٦. وكان يذهب إلى أن الاستئناف مع الفاء العاطفة قد يكون على معنى السببية، فينتفي الثاني لانتفاء الأول، وبذلك خرّج قراءة السبعة: {لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} فالفاء فاء الاستئناف والفعل وراءها منفي لا مثبت٧. وكان سيبويه -وتبعه المبرد وابن السراج وهشام


١ الصلة رقم ١٣٩١، ونفح الطيب "طبعة أوروبا" ٢/ ٤٧١, ومعجم الأدباء ٢٠/ ٦١, وابن خلكان ٢/ ٤٦٥، وبغية الوعاة ص٤٢٢.
٢ الرد على النحاة لابن مضاء "طبع دار الفكر العربي" ص١٦٠.
٣ المغني ص٣٥٧.
٤ المغني ص١٧٩.
٥ المغني ص٩٦.
٦ المغني ص٥١٤.
٧ المغني ص٥٣٤.

<<  <   >  >>