للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اتصلت بقلّ كفَّتْها عن العمل ولا تدخل حينئذ إلا على جملة فعلية، أما ظهور الفاعل بعدها في بعض الأشعار فضرورة١. ومنها ما يتابع فيه الكوفيين مثل أن "كأنّ" لا تفيد التشبيه إلا إذا كان خبرها جامدا مثل: كأن محمدا أسد٢. وكان يتابع الكسائي في أن زيدا في مثل: "أنا زيد ضربته" يجوز فيها الرفع والنصب على الاشتغال٣. وتابع ابن جني في أن الرجل في مثل: "مرت بهذا الرجل" عطف بيان لا نعت٤. ومما انفرد به عن سابقيه من النحاة أن "حتى" لا تعطف المفردات فقط بل تعطف أيضا الجمل مثل: "سَرَيْت حتى تكلُّ المطايا" برفع تكل٥. ومن آرائه الدقيقة أن "ما" تقع صفة للتعظيم كقولهم: "لأمر ما يسود من يسود" أي: لأمر عظيم, ومنه: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} ٦. وكان يكثر من التخريجات في الإعراب، من ذلك ذهابه إلى أن ما بعد إلا في مثل: "ما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا خالدا أحد" يجوز فيه أربعة أوجه: النصب على الاستثناء كما نص عليه النحويون، والنصب على الحال، وجعل الأول حالا وما يليه استثناء، والعكس٧. وخطّأ من يعرب {أَنِ} في قوله تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} مصدرية وهي وما بعدها عطف بيان من الضمير في {بِهِ} ؛ لأن الضمير لا ينعت ولا يعطف عليه عطف بيان، إنما هي في الآية تفسيرية للقول على تأويله بالأمر٨.

وابن٩ الباذش هو علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي المتوفى سنة ٥٢٨هـ, كان ذا معرفة واسعة بعلم العربية، وصنف شروحا على كتب مختلفة للبصريين والبغداديين مثل كتاب سيبويه وكتاب المقتضب للمبرد وأصول ابن السراج وجمل الزجاجي وإيضاح الفارسي. ومما ذهب فيه مذهب سيبويه أنه


١ المغني ص٣٣٩.
٢ المغني ص٢٠٩.
٣ الهمع ٢/ ١١٣.
٤ المغني ص٦٣١.
٥ المغني ص١٣٦.
٦ الهمع ١/ ٩٢.
٧ الهمع ١/ ٢٢٨.
٨ المغني ص٣٠، ٦٣٦.
٩ انظر في ترجمة ابن الباذش: بغية الملتمس ص٤٠٦، وإنباه الرواة ٢/ ٢٢٧، والديباج المذهب ص٢٠٥، وطبقات القراء لابن الجزري ١/ ٥١٨, وبغية الوعاة ص٣٢٦.

<<  <   >  >>