للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان يأخذ برأي الفراء في أن "لو" قد تكون حرفا مصدريا بمنزلة أن المصدرية, إلا أنها لا تنصب المضارع، ويكثر وقوعها حينئذ بعد ود ويود مثل: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} و {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} وقد تقع بدونهما كقول قتيلة:

ما كان ضرَّك لو مننت وربما ... مَنَّ الفتى وهو المغيظ المحنق

ويعرض لرأي جمهور البصريين في أنها في هذه المواضع شرطية وأن جوابها محذوف، ويقول: "لا خفاء بما في ذلك من التكلف"١.

وعلى نحو ما كان يختار ابن هشام لنفسه من المدرستين الكوفية والبصرية, كان يختار لنفسه أيضا من المدرستين البغدادية والأندلسية، ومما اختاره من آراء أبي علي الفارسي أن "حيث" قد تقع مفعولا به كما في قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ٢ وأن قلما في مثل: "قلما يقوم زيد" لا تحتاج لفاعل؛ لأنها استُعملت استعمال ما النافية٣، وأن "ما" قد تأتي زمانية، يقول: "وهذا ظاهر في قوله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} أي: استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم"٤. ووافق ابن جني في أن الجملة قد تبدل من المفرد كقول بعض الشعراء:

إلى الله أشكو بالمدينة حاجةً ... وبالشام أخرى كيف يلتقيانِ؟

على تقدير أن جملة الاستفهام: "كيف يلتقيان" بدل من كلمتي "حاجة وأخرى" أي: إلى الله أشكو حاجتين تعذر التقائهما٥. وقد أكثر من مراجعة الزمخشري، ويكفي أن نذكر من ذلك ثلاثة أمثلة، أولها: رده ما ذهب إليه من أن "لن" تقتضي تأبيد النفي وتوكيده، يقول: "وكلاهما دعوى بلا دليل، ولو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} ولكان ذكر الأبد في {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} تكرارا والأصل عدمه"٦. وثاني الأمثلة: ما ذهب إليه الزمخشري في الواو من أنها قد تأتي للإباحة مثل أو، وذلك في تعليقه بتفسيره على آية البقرة: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ


١ المغني ص٢٩٣، والتصريح ٢/ ٢٥٤.
٢ المغني ص١٤٠.
٣ المغني ص٧٥٠.
٤ المغني ص٣٣٥.
٥ المغني ص٤٧٥, والتصريح ٢/ ١٦٢.
٦ التصريح ٢/ ٢٢٩، والمغني ص٣١٤.

<<  <   >  >>