للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإدغام". ويقول: "هذا باب الفاعلَين والمفعولين اللذين كل واحد منهما يفعل بفاعله مثل الذي يفعل به وما كان نحو ذلك"١ مثل: كلمت وكلمني محمد, وسمى النحاة هذا الباب باسم "باب التنازع". ويقول: "هذا باب ما يكون فيه الاسم مبنيا على الفعل قُدِّم أو أُخِّر, وما يكون الفعل فيه مبنيا على الاسم"٢, وسمى النحاة الباب باسم "باب الاشتغال". ومن ذلك عنوانه في أول الكتاب: "هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربية"٣ وهو ما سماه النحاة بعده باسم "أنواع الإعراب والبناء".

وتلقانا في مواطن مختلفة من الكتاب ظلال من الغموض والإبهام، وقد يرجع ذلك في الكثير الأكثر إلى أن سيبويه كان يضع قوانين النحو والصرف وضعا مفصلا متشعبا لأول مرة، فطبيعي أن يتصعب عليه التعبير أحيانا وأن يداخله من حين إلى حين شيء من الإبهام والالتواء. وكثيرا ما يوجز في موضع يفتقر إلى شيء من البسط، ويصور ذلك من بعض الوجوه أن نجده يتحدث عن الحذف في الكلام وما قد يجري فيه حذف الفعل، ويمثل لذلك بقولهم: "حينئذ الآن" على تقدير: حينئذ اسمع الآن، كما يمثل بمثال ثانٍ هو قولهم: "ما أغفله عنك شيئا" وظل النحاة حتى عصر المبرد لا يدرون معنى العبارة, ولا يعرفون بالتالي موضع حذف الفعل حتى جاء الزجاج، فقال: إن العبارة تعليق على كلام تقدم، كأن قائلا قال: "زيد ليس بغافل عني", فأجابه صاحبه: "ما أغفله عنك, شيئا" على تقدير: انظر شيئا، يريد أن يقول له: تفقَّدْ أمرك ودع الشك عنك٤، وبذلك فُهمت العبارة واتضحت بعد أن كانت عند من سبقه من النحاة كأنها لغز من الألغاز.

وهذا الغموض في جوانب من الكتاب كان سببا في أن يتناوله كثيرون من النحاة بالشرح والتفسير والتعليق وفي مقدمتهم تلميذه الأخفش وأصحابه من مثل الجَرْمي والمازني، وكلما تقدمنا مع الزمن تكاثرت شروحه وتفسيراته والتعليقات عليه، ومن أشهرها شرح السيرافي وشرح الرماني. وعُنُوا عناية واسعة بشرح شواهده


١ الكتاب ١/ ٣٧.
٢ الكتاب ١/ ٤١.
٣ الكتاب ١/ ٢.
٤ الكتاب ١/ ٢٧٩.

<<  <   >  >>