للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد الواو في مثل قول القائل: "وبلدةٍ ليس بها أنيس"١. ويحذف المضاف ويظل عمله أو أثره كقولهم: "ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة", فبيضاء في موضع جر على تقدير إضمار كل، كأنك قلت: ولا كل بيضاء شحمة، ومن ذلك قول أبي داود:

أكل امرئ تحسبين امرأ ... ونارٍ توقَّد بالليل نارا

فقد أراد: وكل نار، ومن هنا قال: إن لفظة نار مجرورة بكل أخرى مقدرة وليست معطوفة على امرئ، حتى لا تكون الجملة الثانية في البيت والمثل السالف معطوفة على عاملين مختلفين، فتكون شحمة معطوفة على "تمرة", و"نارا" معطوفة على "امرأ"٢. ويكثر حذف المبتدأ العامل في الخبر ما دامت هناك قرينة تدل عليه. وهو يضع في تضاعيف كلامه قاعدة عامة لعمل العوامل مضمرة، إذ يقول: "إذا عملت العرب شيئا مضمرا لم يخرج عن عمله مظهرا في الجر والنصب والرفع"٣, ويمثل للرفع بحذف المبتدأ في قولك: "الهلال" تريد: هذا الهلال. ومما يصح أن يدخل في حذف المبتدأ قول الله تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} على تقدير: أمري طاعة وقول معروف٤، وقول العرب: "الناس مجزيون بأعمالهم, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر" فقد قدر -كما مر بنا آنفا- في لفظة خير المرفوعة ومثلها شر المرفوعة أن يكونا خبرين لمبتدأين محذوفين على تقدير: فالذي يجزون به خير، وكذلك فالذي يجزون به شر٥. ومن حذف المبتدأ قولك: "إنْ جزعٌ وإن إجمالُ صبر" أي: فإما أمري جزع وإما أمري إجمال صبر٦، وقولهم في الخطاب: "مصاحب معان ومبرور مأجور" على تقدير: أنت مصاحب معان وأنت مبرور مأجور٧. وواضح من هذا التقدير أن سيبويه لم يكن يعدد الخبر، بل يجعل لكل خبر مبتدأ خاصا به. ومن حذف المبتدأ أيضا قول الله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ} على تقدير: الأمر صبر جميل، ومثله قول بعض العرب: "من أنت


١ الكتاب ١/ ١٣٣.
٢ الكتاب ١/ ٣٣.
٣ الكتاب ١/ ٥٤.
٤ الكتاب ١/ ٧١.
٥ الكتاب ١/ ١٣١.
٦ الكتاب ١/ ١٣٥.
٧ الكتاب ١/ ١٣٧.

<<  <   >  >>