للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السببية التي ينصب بعدها المضارع، وقد يأتي مرفوعا، يقول١:

"اعلم أن ما ينتصب في باب الفاء قد ينتصب على غير معنى واحد، وكل ذلك على إضمار أن، إلا أن المعاني مختلفة، كما أن "يعلم الله" يرتفع كما يرتفع: يذهب زيد، و"علم الله" ينتصب كما ينتصب: ذهب زيد، وفيهما معنى اليمين ... يقول: ما تأتيني فتحدثَني، فالنصب على وجهين من المعاني, أحدهما: ما تأتيني فكيف تحدثني أي: لو أتيتني لحدثتني، وأما الآخر: فما تأتيني أبدا إلا لم تحدثني، أي: منك إتيان كثير ولا حديث منك، وإن شئت أشركت بين الأول والآخر فدخل الآخر فيما دخل فيه الأول، فتقول: ما تأتيني فتحدثني "بالرفع" كأنك قلت: ما تأتيني وما تحدثني، ومثل النصب قوله عز وجل: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} , ومثل الرفع قوله عز وجل: {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ, وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} , وإن شئت رفعت "تحدثني" على وجه آخر, كأنك قلت: فأنت تحدثنا، ومثل ذلك قول بعض الحارثيين:

غير أنا لم تأتنا بيقين ... فنرجي ونكثر التأميلا

كأنه قال: فنحن نرجي، فهذا في موضع مبني على المبتدأ "المحذوف" ... وتقول: حسبته شتمني فأثبَ عليه، إذا لم يكن الوثوب واقعا، ومعناه: أن لو شتمني لوثبت عليه. وإن كان الوثوب قد وقع فليس إلا الرفع؛ لأن هذا بمنزلة قوله: ألست قد فعلت فأفعلُ".

ويدخل في هذا التحليل للعبارات وفرة الاحتمالات في إعرابها، من ذلك: "دخلوا الأولَ فالأولَ" جعله حالا مثل: دخلوا واحدا فواحدا، وجوز أن يقال: دخلوا الأولُ فالأول بالرفع, على أن الأول بدل من الضمير٢. ومن ذلك قولك: "إن زيدا منطلق العاقلَ اللبيب" فقد جوز فيه النصب نعتا لزيد، كما جوز الرفع على وجهين: أن يكون العاقل بدلا من الضمير العائد على زيد في منطلق، أو يكون خبرا لمبتدأ محذوف، وكأنه جواب على سؤال مقدر، كأنه قيل: من هو؟ فأجيب بأنه العاقل اللبيب٣. ومن ذلك نعت اسم لا النافية للجنس


١ الكتاب ١/ ٤١٩ وما بعدها.
٢ الكتاب ١/ ١٩٨.
٣ الكتاب ١/ ٢٨٦.

<<  <   >  >>