للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعروف أن الفاء لا يُنصَب المضارع بعدها إلا إذا كانت -كما قرر هو نفسه- جوابا لأمر أو نهي أو تمن أو استفهام أو نفي أو عرض أو تحضيض أو دعاء، فإن نصب معها في كلام ولم يكن جوابا لأحد هذه الثمانية كان ذلك شذوذا وضعفا إن جاء عن العرب في بعض أشعارهم، يقول: "وقد يجوز النصب في الواجب في اضطرار الشعر ... فمما نُصب في الشعر اضطرارا قول الشاعر:

سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا

وقال الأعشى, وأنشدناه يونس:

ثمت لا تجزونني عند ذاكم ... ولكن سيجزيني الإله فيعقبا

وهو ضعيف في الكلام"١. ويقول في باب التصغير: "من العرب من يقول في ناب: نويب، فيجئ بالواو لأن هذه الألف مبدلة من الواو أكثر، وهو غلط منهم"٢. وأساس الغلط عنده أن ما ثانيه حرف علة مقلوب عن الياء أو الواو يرد إلى أصله في التصغير، فناب تصغر على نُيَيب وباب على بويب. ولذا كان يرى أن نويبا غلط وأنه ينبغي أن تكون نُيَيبا. ويشير إلى العلة في إجراء هؤلاء العرب نابا على مثال باب، إذ الألف الزائدة في التصغير إذا كانت ثانية في اللفظة تقلب واوا، ولما كان ذلك يجري في كثير من الكلمات مثل كاتب وكويتب وشاعر وشويعر, ظنوا أن من حقهم أن يقلبوا ألف ناب في التصغير واوا. وعلى هذا النحو كان سيبويه يعرض سماعه على المقاييس النحوي، أو بعبارة أدق: كان يتخذ هذه المقاييس مما دار على ألسنة العرب كثيرا، وما خالفه ينحى عليه بكلمات تدل على مخالفته للذائع المشهور الذي استنبطت منه القواعد، وينعته بالغلط, يريد أن يثبت عليهم التوهم فيه.

وتكثر التعليلات في كتاب سيبويه كثرة مفرطة، سواء للقواعد المطردة أو للأمثلة الشاذة، يقول في فواتح كتابه: "وليس شيء يضطرون "العرب" إليه, إلا وهم يحاولون به وجها", فهو لا يعلل فقط لما كثر في ألسنتهم واستُنبطت على أساسه القواعد، بل يعلل أيضا لما يخرج على تلك القواعد، وكأنما لا يوجد أسلوب ولا توجد قاعدة بدون علة. ونحن لا نكاد نمضي في قراءته حتى


١ الكتاب ١/ ٤٢٣.
٢ الكتاب ٢/ ١٢٧.

<<  <   >  >>