للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يبلغ من قلة التنوين -وهو واحد- أن يقوما مقامه، كما لم يحتمل الاسم الألف واللام مع التنوين"١. والموقف الثاني هو محاولة الإدلاء بعلة جديدة, إذ يقول: "لم يدخل الأفعال جر؛ لأنها أدلة، وليست الأدلة بالشيء الذي تدل عليه. وأما زيد وعمرو وأشباه ذلك فهو الشيء بعينه، وإنما يضاف إلى الشيء بعينه لا إلى ما يدل عليه، وليس يكون جر في شيء من الكلام إلا بالإضافة"٢. وهو يريد أن الفعل دليل على الفاعل والمفعول والحدث. والإضافة إنما تكون إلى هذه الأشياء لا إلى ما دل عليها مما يصور حركات الفاعلين. ويعلل لإضافة اسم الزمان إلى الفعل بقوله: "إنما أُضيفت أسماء الزمان إلى الأفعال؛ لأن الأزمنة كلها ظروف للأفعال والمصادر، والظروف أضعف الأسماء, فقووها بالإضافة إلى الأفعال"٣.

وقلنا آنفا: إنه هو الذي فتح للكوفيين أبواب الخلاف على سيبويه وأستاذه الخليل بما بسط من وجوهه، وقد تابعوه في كثير من هذه الوجوه بحيث يمكن أن يقال بحق: إنه الأستاذ الحقيقي للمدرسة الكوفية، لا لأن إمامها الكسائي والفراء تتلمذا له فحسب، بل أيضا لأنهما تابعاه في كثير من آرائه التي حاول بها نقض طائفة من آراء سيبويه والخليل، وقد مضيا هما وغيرهما من أعلام النحاة في الكوفة يتخذون من آرائه قَبَسا للاهتداء به فيما نفذوا إليه من آراء أعدت لقيام المدرسة الكوفية. وحسبنا أن نعرض مجموعة من آرائه التي وافقه فيها الكسائي والفراء والكوفيون لتتضح صحة ما نزعمه من أنه الإمام الحقيقي لهم ولمدرستهم. أما الكسائي فنراه يرى رأيه في أنه يجوز تأكيد عائد الصلة المحذوف والعطف عليه مثل: جاء الذي ضربت نفسَه أي: ضربته نفسه، ومثل: جاءني الذي كلمت وعمرا، أي: كلمته وعمرا٤. وكان يذهب مذهبه في أن من الجارة تزاد في الإيجاب مثل: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} ، {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} , {يَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} , {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ}


١ الزجاجي ص١١٠.
٢ الزجاجي ص١٠٩.
٣ الزجاجي ص١١٤.
٤ همع الهوامع للسيوطي "طبعة الخانجي" ١/ ٩١.

<<  <   >  >>