للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخلق لأجل التصويت الشَّيْء الَّذِي يُسمى لِسَان المزمار يتضايق عِنْده طرف القصبة ثمَّ يَتَّسِع عِنْد الحنجرة فيبتدئ من سَعَة إِلَى ضيق ثمَّ إِلَى فضاء وَاسع كَمَا فِي المزمار فَلَا بُد للصوت من تضييق الْمحبس. وَهَذَا الجرم الشبيه بِلِسَان وَأما تصليب الغشاء الَّذِي يستبطنها فليقاوم حِدة النَّوَازِل والنفوث الرَّديئَة والبخار الدخاني الْمَرْدُود من الْقلب وَلِئَلَّا يسترخي بقرع الصَّوْت. وَأما انقسامها أَولا إِلَى قسمَيْنِ فلأنّ الرئة ذَات قسمَيْنِ. وَأما تشعبها مَعَ الْعُرُوق السواكن فليأخذ مِنْهَا الْغذَاء. وَأما ضيق فوهاتها فليكون بِقدر مَا ينفذ فِيهَا النسيم إِلَى الشرايين المؤدية إِلَى الْقلب وَلَا ينفذ إِلَيْهَا فِيهَا دم الْغذَاء وَلَو ينفذ يحدث نفث الدَّم فَهَذِهِ صُورَة قَصَبَة الرئة. أما الحنجرة: فَإِنَّهَا آلَة لتَمام الصَّوْت ولتحبس النَّفس وَفِي داخلها الجرم الشبيه بِلِسَان الزمامر من المزمار. وَقد ذَكرْنَاهُ وَمَا يُقَابله من الحنك وَهُوَ مثل الزَّائِدَة الَّتِي تشابه رَأس المزمار فيتمّ بِهِ الصَّوْت. والحنجرة مشدودة مَعَ القصبة بالمبريء شداً إِذا همَ المريء للإزدراد وَمَال إِلَى أَسْفَل لجذب اللُّقْمَة انطبقت الحنجرة وَارْتَفَعت إِلَى فَوق واستند انطباق بعض غضاريفها إِلَى بعض فتمددت الأغشية والعضل. وَإِذا حَاذَى الطَّعَام مجْرى المريء يكون فَم القصبة والحنجرة ملتصقين بالحنك من فَوق فلايمكن أَن يدخلهَا من الْحَاصِل عِنْد المريء شَيْء فَيجوز بهَا الطَّعَام وَالشرَاب من غير أَن يسْقط إِلَى القصبة شَيْء إلاّ فِي أحايين يستعجل فِيهَا بالإزدراد قبل استتمام هَذِه الْحَرَكَة أَو يعرض للطعام حَرَكَة إِلَى المريء مشوّشة فَلَا تزَال الطبيعة تعْمل فِي دَفعه بالسعال. وَقد ذكرنَا تشريح غضاريف الحنجرة وعضلها فِي الْكتاب الأول. وَأما الرئة: فَإِنَّهَا مؤلفة من أَجزَاء أَحدهَا شعب القصبة وَالثَّانِي شعب الشريان الوريدي وَالثَّالِث شعب الوريد الشرياني ويجمعها لَا محَالة لحم رخو مَا متخلخل هوائي خلق من أرقّ دم وألطفه. وَذَلِكَ أَيْضا غذاؤها وَهُوَ كثير المنافذ لَونه إِلَى الْبيَاض خُصُوصا فِي رئات مَا تمّ خلقه من الْحَيَوَان. وَخلق متخلخلاً ليتسع الْهَوَاء وينضج فِيهِ ويندفع فَضله عَنهُ كَمَا خلق الكبد بِالْقِيَاسِ إِلَى الْغذَاء وَهُوَ ذُو قسمَيْنِ: أَحدهمَا إِلَى الْيَمين وَالْآخر إِلَى الْيَسَار وَالْقسم الْأَيْسَر ذُو شعبتين وَالْقسم الْأَيْمن ذُو ثَلَاث شعب وَمَنْفَعَة الرئة بِالْجُمْلَةِ الِاسْتِنْشَاق. وَمَنْفَعَة الِاسْتِنْشَاق إعداد هَوَاء للقلب أَكثر من الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي نبضة وَاحِدَة. وَمَنْفَعَة هَذِه الاعداد أَن يكون للحيوان عِنْدَمَا يغوص فِي المَاء وعندما يصوّت صَوتا طَويلا متّصلاً يشْغلهُ عَن أَخذ الْهَوَاء أَو يعاف استنشاقه لأحوال وَأَسْبَاب دَاعِيَة إِلَيْهِ من نَتن وَغَيره هَوَاء معد يَأْخُذهُ الْقلب. وَمَنْفَعَة هَذَا الْهَوَاء الْمعد أَن يعدل بِرُوحِهِ حرارة الْقلب وَأَن يمدّ

<<  <  ج: ص:  >  >>