الْجُنُون والورم حادثان مَعًا عَن الْمَادَّة لَيْسَ أَحدهمَا سَببا للْآخر مِنْهُ وجد الآخر وَإِن كَانَ رُبمَا صَار كل وَاحِد مِنْهُمَا سَببا للزِّيَادَة فِي الآخر وِإذا جعل صباري يظْهر كَانَ سهر طَوِيل ونوم مُضْطَرب وفزع فِي النّوم ووثب ونَفس كثير متواتر ونسيان وَجَوَاب غير شَبيه بالسؤال واحمرار الْعَينَيْنِ واضطرابهما وَثقل فيهمَا وكأنهما قذيتان وَرُبمَا كَانَ فيهمَا على نَحْو مَا ذَكرْنَاهُ اصفرار وَيكون هُنَاكَ إحساس تمدد عِنْد الْقَفَا ووجع لتصاعد البخار وَيكون أَيْضا فيهمَا سيل من الدمع بِغَيْر إِرَادَة من عين وَاحِدَة ثمَّ إِذا استقرّ الْمَرَض صلبت الحمّى وخشن اللِّسَان ويبس ثمَّ فِي آخِره تسكن حركات الجفون للضعف وتثقل الْحَرَكَة حَتَّى تَحْرِيك الجفون وَيبقى من الْجُنُون الهذيان المتقطّع مَعَ عجز عَن الْكَلَام وقلّة مِنْهُ وَيقبل فِي الْأَكْثَر على الْتِقَاط الزيبر والتبن ويزداد النبض ضعفا وصغراً وصلابة لليبس. وَقد يَقع منَ صباري مَا لَيْسَ بمحض صرف فتختلف حالاته من الْكَلَام وَالذكر والحركات فَتكون تَارَة منتظمة وَتارَة غير منتظمة. وعلاجه بِعَيْنِه علاج السرسام الصفراوي مَعَ زِيَادَة فِي الترطيب كَثِيرَة وَيجب أَن يدام ربط أَطْرَافه.
(فصل فِي ليثرغس)
وَهُوَ السرسام الْبَارِد وترجمته النسْيَان: يُقَال ليثرغس للورم البلغمي الْكَائِن دَاخل القحف وَهُوَ السرسام البلغمي وَأَكْثَره يكون فِي مجاري جَوْهَر الدِّمَاغ دون الْحجب والبطون وجرم الدِّمَاغ لأنّ البلغم قلّما يجْتَمع وَينفذ فِي الأغشية لصلابتها وَلَا فِي جَوْهَر الدِّمَاغ للزوجته كَمَا أَن ذَات الْجنب أَيْضا فِي الْأَكْثَر صفراوية وفلما تكون بلغمية لقلَّة نُفُوذ البلغم فِي جَوْهَر صفاقي عصبي صلب. على أَنه يُمكن أَن يكون ذَلِك الْأَقَل مِنْهُمَا جَمِيعًا فَيمكن أَن يَقع هَذَا الورم فِي جَوْهَر الدِّمَاغ وَفِي حجبه. وَهَذِه العفَة مُسَمَّاة باسم عرضهَا لِأَن تَرْجَمَة ليثرغس هُوَ النسْيَان وَهَذِه الْعلَّة يلْزمهَا النسْيَان. وَمن اسْمهَا أَخطَأ فِيهَا كثير من الْأَطِبَّاء فَلم يعرفوا أَن الْغَرَض فِيهَا هُوَ الْمَرَض الْكَائِن من ورم بَارِد بل حسبوا أَن هَذِه الْعلَّة هِيَ نفس النسْيَان وعَلى أَن بعض الْأَطِبَّاء يُسَمِّي ليثرغس كل ورم بَارِد فِي الدِّمَاغ سوداوياً كَانَ أَو بلغمياً إِلَّا أَن كثر الْمُتَقَدِّمين يخصّون بِهَذَا الِاسْم البلغمي وَلَك أَن تَسْقِي بِهِ كليهمَا. ومادة هَذِه الْعلَّة قريبَة من مَادَّة السدر لَكِنَّهَا أشدّ استحكاماً وَهَذِه الْعلَّة تتولد عَن كل مَا يُولد خلطاً بلغمياً وَفِيه تبخير وَلذَلِك كثيرا مَا تتولد عَن أكل البصل وتتولّد عَن التُّخمَة الْكَثِيرَة وَكَثْرَة الشّرْب وَكَثْرَة أكل الْفَوَاكِه. الْعَلامَة: صداع خَفِيف وَحمى لينَة فَإِنَّهُ لَا بُد من الْحمى فِي كل ورم عَن خلط عفن وَبِذَلِك يُفَارق السُبات لَكِنَّهَا تكون لينَة لِأَن الْمَادَّة بلغمية وَهَذِه الْحمى رُبمَا لم يحس بهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute