للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَنّ الثَّانِي الْمعرفَة وَأَحْكَام البحران وَهُوَ مقالتان: نَحن نذْكر فِي هَذَا الْفَنّ أَحْوَال البحران وأيامه وعلاماته وعلامة النضج وَمَا يخْتَص بِكُل وَاحِد من الدَّلَائِل من حكم وَمن العلامات الجيدة وَغير الجيدة وَهَذِه هِيَ الْأُمُور الَّتِي عَلَيْهَا مدَار الْأَمر فِي تقدمة الْمعرفَة وتقدمة الْمعرفَة هِيَ أَن نحكم من دلالاتْ مَوْجُودَة على أَمر كَائِن يؤول إِلَيْهِ حَال الْمَرِيض من أقبال أَو هَلَاك بِسَبَب مَا يعرف من الْقُوَّة وثباتها أَو سُقُوطهَا وَمَعْرِفَة وقته وَالْوَجْه الَّذِي يكون مثلا هَل يكون أم لَا. الْمقَالة الأولى البحران ومذاهب الإستدلال عَلَيْهِ وعَلى الْخَيْر والشرّ

(فصل فِي البُحران وَمَا هُوَ وَفِي أقسامه وَأَحْكَامه)

البُحران مَعْنَاهُ الْفَصْل فِي الْخطاب وتأويله تغيّر يكون دفْعَة إِمَّا إِلَى جَانب الصِّحَّة وَإِمَّا إِلَى جَانب الْمَرَض. وَله دَلَائِل يصل الطَّبِيب مِنْهَا إِلَى مَا يكون مِنْهُ وَبَيَان هَذَا أَن الْمَرَض للبدن كالعدو الْخَارِجِي للمدينة والطبيعة كالسلطان الْحَافِظ لَهَا وَقد يجْرِي بَينهمَا مناجزات خَفِيفَة لَا يُعتدّ بهَا. وَقد يشْتَد بَينهمَا الْقِتَال فتعرض حِينَئِذٍ من عَلَامَات اشتداد الْقِتَال أَحْوَال وَأَسْبَاب مثل النَّقْع الهائج وَمثل الذعر والصراخ وَمثل سيلان الدِّمَاء ثمَّ يكون الْفَصْل فِي زمَان غير محسوس الْقدر وَكَأَنَّهُ فِي آن وَاحِد إِمَّا بِأَن يغلب السُّلْطَان الحامي وَإِمَّا بِأَن يغلب الْعَدو الْبَاغِي. وَالْغَلَبَة تكون إِمَّا تَامَّة يكون فِيهَا من إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَمام الْهَزِيمَة والتخلية بَين الْمَدِينَة وَالْأُخْرَى وَإِمَّا نَاقِصَة يكون فِيهَا هزيمَة لَا تمنع الكرة وَالرَّجْعَة حَتَّى يَقع الْقِتَال مرّة أُخْرَى أَو مرَارًا فَيكون حِينَئِذٍ الْفَصْل فِي آخرهَا وكما أَن السُّلْطَان إِذا غلب على الْبَاغِي فنفاه وَدفعه فإمَّا أَن يطرده طرداً كلًياً حَتَّى يرِيح فنَاء الْمَدِينَة ورقعتها وَسَائِر النواحي الْمُتَّصِلَة بهَا وَإِمَّا أَن يطرده طرداً غير كلي بل ينحيه عَن الْمَدِينَة وَلَا يقدر أَن ينحيه عَن نواح أُخْرَى مُتَّصِلَة بِالْمَدِينَةِ. كَذَلِك الْقُوَّة الَّتِي تَأتي بالبُحران الْجيد إِمَّا أَن تطرد الْمَادَّة المؤذية عَن قريعة الْبدن وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>