بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله وَسَلام على عباده الْمُؤمنِينَ وَإِذ قد وَفينَا بِمَا وعدنا من تصنيف كتبنَا فِي الطِّبّ الَّتِي الأول مِنْهَا فِي الْأُصُول الْكُلية وَالثَّانِي مِنْهَا الْمَجْمُوع فِي الْأَدْوِيَة المفردة وَالثَّالِث مِنْهَا فِي الْأَمْرَاض الْجُزْئِيَّة وحان لنا أَن نذْكر فِي هَذَا الْكتاب الرَّابِع الْأَمْرَاض الَّتِي لَا تختصّ بعضو بِعَيْنِه والزينة ونستوفي الْكَلَام فِي ذَلِك وَقَسمنَا هَذَا الْكتاب على سَبْعَة فنون وكل فنّ يشْتَمل على عدَّة مقالات وكل مقَالَة تشْتَمل على فُصُول. الْفَنّ الأول الحميات يشْتَمل هَذَا الْفَنّ على مقالتين: الْمقَالة الأولى فصل فِي مَاهِيَّة الحمَّى فَنَقُول الحُمَّى حرارة غَرِيبَة تشتعل فِي الْقلب وتنبت مِنْهُ بتوسط الرّوح وَالدَّم فِي الشرايين وَالْعُرُوق فِي جَمِيع الْبدن فنشتعل فِيهِ اشتعالاً لَا يضر بالأفعال الطبيعية لَا كحرارة الْغَضَب والتعب. إِذا لم تبلغ أَن تتشبث وتؤف بِالْفِعْلِ وَمن النَّاس من قسّم الحُمّى إِلَى قسمَيْنِ أوّلين: إِلَى حُمَّى مرض وَإِلَى حُمَّى عرض وَجعل حُمِّيات الأورام من جنس حمى الْعرض وَمعنى قَوْلهم هَذَا أَن الحُمَّى المرضيّة مَا لَيْسَ بَينهَا وَبَين السَّبَب الَّذِي لَيْسَ بِمَرَض وَاسِطَة كحمّى العفونة فَإِن العفونة سَببهَا بِلَا وَاسِطَة وَلَيْسَت العفونة فِي نَفسهَا مَرضا بل هُوَ سَبَب مرض. وَأما حمَى الورم فَإِنَّهُ عَارض للورم يكون مَعَ كَون الورم تَابعا لَهُ والورم مرض فِي نَفسه ولمناقش أَن يَقُول: أَنه إِن كانْ حُمَّى الورم يتبع حرارته وَيلْزم من وَجَعه فَيُشبه أَن يكون حُمى عرض وَحِينَئِذٍ يشبه أَن يكون كثيرا من حُمَّيات الْيَوْم حميات عرض وَإِن كَانَ يتبع العفونة الَّتِي فِي الورم فالورم لَيْسَ بِسَبَب لَهَا أولى من حَيْثُ هُوَ ورم بل من حَيْثُ العفونة الَّتِي فِيهِ فسببها الَّذِي بِالذَّاتِ هُوَ العفونة والورم لَيْسَ بِسَبَب لَهَا إِلَّا بِالْعرضِ وَتقول: إِن لم يعن بحُمى عرض هَذَا بل عَنى أَنَّهَا تَابِعَة للورم وجودهَا بِوُجُود الورم. فَكَذَلِك حَال حُمِّيات العفونة بِالْقِيَاسِ إِلَى العفونة لَكِن الِاشْتِغَال بأمثال هَذِه المناقشات مِمَّا لَا يجدي فِي علم الطِّبّ شَيْئا وَيجْعَل الطَّبِيب متخطياً من صناعته إِلَى مبَاحث رُبمَا شغلته عَن صناعته فلنجر على مَا اُعْتِيدَ من ذَلِك فَنَقُول: لتكن حميات الأورام والسدد حمّيات الْعرض ولنقل أَنه لما كَانَ جَمِيع مَا فِي بدن الْإِنْسَان ثَلَاثَة أَجنَاس أَعْضَاء حاوية لما فِيهِ من الرطوبات والأرواح قياسها قِيَاس حيطان الْحمام ورطوبات محوّية وقياسها قِيَاس مياه الْحمام وأرواح نفسانية وحيوانية وطبيعية وأبخرة مبثوثة وقياسها قِيَاس هَوَاء الْحمام فالمشتعل بالحرارة الغريبة اشتعالاً أولياً وَهُوَ الَّذِي إِذا طفئ هُوَ برد مَا يجاوره وَإِذا برد مَا يجاوره لم يجب أَن يطفأ هُوَ بل يُمكن أَن يبْقى وَأَن يعود فيسخن مَا يجاوره. يكون أحد هَذِه الْأَجْسَام الثَّلَاثَة الَّتِي لَا تُوجد فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute