وَلَو كَانَت الْقُوَّة المغذية بِمَا هِيَ قُوَّة مغذية تعد للحسّ وَالْحَرَكَة لَكَانَ النَّبَات قد يستعد لقبُول الْحس وَالْحَرَكَة فَيبقى أَن يكون الْمعد أمرا آخر يتبع مزاجاً خاصاَ وَيُسمى قُوَّة حيوانية وَهُوَ أول قُوَّة تحدث فِي الرّوح إِذا حدث الرّوح من لطافة الأمشاج. ثمَّ إِن الرّوح تقبل بهَا - عِنْد الْحَكِيم ارسطوطاليس - المبدأ الأول وَالنَّفس الأولى الَّتِي ينبعث عَنْهَا سَائِر القوى إِلَّا أَن أَفعَال تِلْكَ القوى لَا تصدر عَن الرّوح فِي أول الْأَمر كَمَا أَن أَيْضا لَا يصدر الإحساس عِنْد الْأَطِبَّاء عَن الرّوح النفساني الَّذِي فِي الدِّمَاغ مَا لم ينفذ إِلَى الجليدية أَو إِلَى اللِّسَان أَو غير ذَلِك فَإِذا حصل قسم من الرّوح فِي تجويف الدِّمَاغ قبل مزاجاً وَصلح لِأَن يصدر بِهِ عِنْد أَفعَال الْقُوَّة الْمَوْجُودَة فِيهِ بدناَ. وَكَذَلِكَ فِي الكبد وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ. وَعند الْأَطِبَّاء مَا لم يسْتَحل الرّوح عِنْد الدِّمَاغ إِلَى مزاج آخر لم يستعد لقبُول النَّفس الَّتِي هِيَ مبدأ الْحَرَكَة والحس. وَكَذَلِكَ فِي الكبد وَإِن كَانَ الامتزاج الأول قد أَفَادَ قبُول الْقُوَّة الأولى الحيوانية وَكَذَلِكَ فِي كل عُضْو كَانَ لكل جنس عَن الْأَفْعَال عِنْدهم نفس أُخْرَى. وَلَيْسَت النَّفس وَاحِدَة يفِيض عَنْهَا القوى أَو كَانَت النَّفس مَجْمُوع هَذِه الْجُمْلَة فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ الإمتزاج الأول فقد أَفَادَ قبُول الْقُوَّة الأولى الحيوانية حَيْثُ حدث روح وَقُوَّة هِيَ كَمَاله لَكِن هَذِه الْقُوَّة وَحدهَا لَا تَكْفِي عِنْدهم لقبُول الرّوح بهَا سَائِر القوى الْأُخَر مَا لم يحدث فِيهَا مزاج خَاص. قَالُوا: وَهَذِه الْقُوَّة مَعَ أَنَّهَا مهيئة للحياة فَهِيَ أَيْضا مبدأ حَرَكَة الْجَوْهَر الروحي اللَّطِيف إِلَى الْأَعْضَاء ومبدأ قَبضه وَبسطه للتنسم والتنقي على مَا قيل كَأَنَّهَا بِالْقِيَاسِ إِلَى الْحَيَاة تقبل انفعالاً وبالقياس إِلَى أَفعَال النَّفس والنبض تفِيد فعلا. وَهَذِه الْقُوَّة تشبه القوى الطبيعية لعدمها الْإِرَادَة فِيمَا يصدر عَنْهَا وتشبه القوى النفسانية لتعين أفعالها لِأَنَّهَا تقبض وتبسط مَعًا وتحرك حركتين متضادتين. إِلَّا أَن القدماء إِذا قَالُوا نفس للنَّفس الأرضية عنوا كَمَال جسم طبيعي آلي وَأَرَادُوا مبدأ كل قُوَّة تصدر عَنْهَا بِعَينهَا حركات وأفاعيل متخالفة فَتكون هَذِه الْقُوَّة على مَذْهَب القدماء قُوَّة نفسانية. كَمَا أَن القوى الطبيعية الَّتِي ذَكرنَاهَا تسمى عِنْدهم قُوَّة نفسانية. وَأما إِذا لم يرد بِالنَّفسِ هَذَا الْمَعْنى بل عَنى بِهِ قُوَّة هِيَ مبدأ إِدْرَاك وتحريك تصدر عَن إِدْرَاك مَا بِإِرَادَة مَا وَأُرِيد بالطبيعة كلّ قوّة يصدر عَنْهَا فعل فِي جسمها على خلاف هَذِه الصُّورَة لم تكن هَذِه الْقُوَّة نفسانية بل كَانَت طبيعية. وَأَعْلَى دَرَجَة من الْقُوَّة الَّتِي يسميها الْأَطِبَّاء طبيعية. وَأما إِن سمي بالطبيعية مَا يتَصَرَّف فِي أَمر الْغذَاء وحالته سَوَاء كَانَ لبَقَاء شخص أَو بَقَاء نوع لم تكن هَذِه طبيعية وَكَانَت جِنْسا ثَالِثا. وَلِأَن الْغَضَب وَالْخَوْف وَمَا أشبههما إنفعال لهَذِهِ الْقُوَّة. وَإِن كَانَ مبدؤها الْحس وَالوهم والقوى الدَاركة كَانَت منسوبة إِلَى هَذِه القوى. وَتَحْقِيق بَيَان هَذِه القوى وَإِنَّهَا وَاحِدَة أَو فَوق وَاحِدَة هُوَ إِلَى الْعلم الطبيعي الَّذِي هُوَ جُزْء من الْحِكْمَة.
(الْفَصْل الْخَامِس القوى النفسانية المدركة)
وَالْقُوَّة النفسانية تشْتَمل على قوتين هِيَ كالجنس لَهما: إِحْدَاهمَا قُوة مدرِكَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute