وَالْأُخْرَى قُوة مُحَركة. وَالْقُوَّة المدركة كالجنس لقوتين: قُوَّة مدركة فِي الظَّاهِر وَقُوَّة مدركة فِي الْبَاطِن. وَالْقُوَّة المدركة فِي الظَّاهِر هِيَ الحسية وَهِي كالجنس لقوى خمس عِنْد قوم وثمان عِنْد قوم. وَإِذا أخذت خَمْسَة كَانَت قُوَّة الإبصار وَقُوَّة السّمع وَقُوَّة الشم وَقُوَّة الذَّوْق وَقُوَّة اللَّمْس. وَأما إِذا أخذت ثَمَانِيَة فالسبب فِي ذَلِك أَن أَكثر المحصلين يرَوْنَ أَن اللَّمْس قوى كَثِيرَة بل هُوَ قوى أَربع. ويخصون كل جنس من الملموسات الْأَرْبَع بِقُوَّة على حِدة إِلَّا أَنَّهَا مُشْتَركَة فِي الْعُضْو الحساس كالذوق واللمس فِي اللِّسَان والإبصار واللمس فِي الْعين وَتَحْقِيق هَذَا إِلَى الفيلسوف. وَالْقُوَّة إِحْدَاهَا: الْقُوَّة الَّتِي تسمى الْحس الْمُشْتَرك والخيال: وَهِي عِنْد الْأَطِبَّاء قُوَّة وَاحِدَة وَعند المحصلين من الْحُكَمَاء قوتان. فالحس الْمُشْتَرك هُوَ الَّذِي يتَأَدَّى إِلَيْهِ المحسوسات كلهَا وينفعل عَن صورها ويجتمع فِيهِ. والخيال هُوَ الَّذِي يحفظها بعد الِاجْتِمَاع ويمسكها بعد الغيبوبة عَن الْحس وَالْقُوَّة الْقَابِلَة مِنْهُمَا غير الحافظة. وَتَحْقِيق الْحق فِي هَذَا هُوَ أَيْضا على الفيلسوف. وَكَيف كَانَ فَإِن مسكنهما ومبدأ فعلهمَا هُوَ الْبَطن الْمُقدم من الدِّمَاغ. وَالثَّانيَِة: الْقُوَّة الَّتِي تسميها الْأَطِبَّاء مفكرة: والمحققون تَارَة يسمونها متخيلة وَتارَة مفكرة فَإِن استعملتها الْقُوَّة الوهمية الحيوانية الَّتِي نذكرها بعد أَو نهضت هِيَ بِنَفسِهَا لفعلها سَموهَا متخيلة وَإِن أَقبلت عَلَيْهَا الْقُوَّة النطقية وصرفتها على مَا ينْتَفع بِهِ سنّهَا سميت مفكرة. وَالْفرق بَين هَذِه الْقُوَّة وَبَين الأولى كَيفَ مَا كَانَت: أَن الأولى قَابِلَة أَو حافظة لما يتَأَدَّى إِلَيْهَا من الصُّور المحسوسة. وَأما هَذِه فَإِنَّهَا تتصرف على المستودعات فِي الخيال تصرفاتها من تركيب وتفصيل فتستحضر صوراً على نَحْو مَا تأدى من الْحس وصوراً مُخَالفَة لَهَا كإنسان يطير وجبل من زمرد. وَأما الخيال فَلَا يحضرهُ إِلَّا للقبول من الْحس. ومسكن هَذِه الْقُوَّة هُوَ الْبَطن الْأَوْسَط من الدِّمَاغ. وَهَذِه الْقُوَّة هِيَ اَلة لقُوَّة هِيَ بِالْحَقِيقَةِ المدركة الْبَاطِنَة فِي الْحَيَوَان وَهِي الْوَهم وَهُوَ الْقُوَّة الَّتِي تحكم فِي الْحَيَوَان بِأَن الذِّئْب عَدو وَالْولد حبيب وَأَن المتعهد بالعلف صديق لَا ينفر عَنهُ على سَبِيل غير نطقي. والعداوة والمحبة غير محسوسين لَيْسَ يدركهما الْحس من الْحَيَوَان فَإِذن إِنَّمَا يحكم بهما ويدركهما قُوَّة أُخْرَى وَإِن كَانَ لَيْسَ بالإدراك النطقي إِلَّا أَنه لَا محَالة إِدْرَاك مَا غير النطقي. وَالْإِنْسَان أَيْضا قد يسْتَعْمل هَذِه الْقُوَّة فِي كثير من الْأَحْكَام وَيجْرِي فِي ذَلِك مجْرى الْحَيَوَان الْغَيْر النَّاطِق. وَهَذِه الْقُوَّة تفارق الخيال لِأَن الخيال يستثبت المحسوسات وَهَذِه تحكم فِي المحسوسات بمعان غير محسوسة وتفارق الَّتِي تسمّى مفكرة ومتخيلة بِأَن أَفعَال تِلْكَ لَا يتبعهَا حكم مَاء وأفعال هَذِه يتبعهَا حكم مَا بل هِيَ أَحْكَام مَا وأفعال تِلْكَ تركبّت فِي المحسوسات وَفعل هَذِه هُوَ حكم فِي المحسوس من معنى خَارج عَن المحسوس. وكما أَن الْحس فِي الْحَيَوَان حَاكم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute