فصل فِي أمزجة الرئة وَطَرِيق سلامات أحوالها نقُول: أما المزاج الْحَار فيدلّ عَلَيْهِ سَعَة الصَّدْر وَعظم النَّفس وَرُبمَا تضَاعف والنفخة وَالصَّوْت وَثقله وقلّة التضرّر بالهواء الْبَارِد وكثرته بالحار وأعراض عَطش يسكنهُ النسيم الْبَارِد كثيرا من غير شرب وَكَثِيرًا مَا يَصْحَبهُ لَهب وسعال. وَأما المزاج الْبَارِد فَيدل عَلَيْهِ صغر الصَّدْر وَصغر النَّفس وَالصَّوْت وحدتهما والتضرر بِكُل بَارِد وَكثر تولد البلغم فِيهَا وَكَثِيرًا مَا يتضاعف بِهِ النَّفس ويصحبه الربو والسعال. وَأما المزاج الرطب فَيدل عَلَيْهِ كَثْرَة الفضول وبحوحة الصَّوْت والخرخرة وخصوصاً إِذا كَانَت مَعَ مَادَّة وَكَانَت مائلة إِلَى فَوق وَالْعجز عَن رفع الصَّوْت لَا لضعف الْبدن. وَأما المزاج الْيَابِس فيدلّ عَلَيْهِ قلّة الفضول وخشونة الصَّوْت ومشابهته بِصَوْت الكراكي وَرُبمَا كَانَ هُنَاكَ ربو لشدَّة التكاثف وكل وَاحِد من هَذِه الأمزجة قد يكون للرئة طبيعياً وَقد يكون عرضياً ويشتركان فِي شَيْء من العلامات ويفترقان فِي شَيْء. فَأَما مَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ: فالعلامات الْمَذْكُورَة إلاّ مَا يسْتَثْنى من بعد وَأما مَا يفترقان فِيهِ فشيئان: أَحدهمَا أَن المزاج إِذا كَانَ طبيعياً كَانَت الْعَلامَة وَاقعَة بالطبع وَإِن كَانَ عرضياً كَانَت الْعَلامَة لَهُ عرضية وَقد حدث بِهِ إِلَّا أَن تكون الْعَلامَة من جنس مَا لَا يَقع إِلَّا بالطبع فَقَط فَتكون عَلامَة للطبيعي مِثَاله عظم الصَّدْر أَو صغره. وَاعْلَم أنّ أخصّ الدَّلَائِل على أَحْوَال الصَّدْر والرئة النَّفس فِي حرّه وبرده وعظمه وصغره وسهولته وعسره ونتنه وَطيب رَائِحَته وَغير ذَلِك من أَحْوَاله وَكَذَلِكَ الصَّوْت أَيْضا فِي مثل ذَلِك وَمثل مَا يدلّ الخناقي مِنْهُ على أَن الآفة فِي العضل الباسطة والأبحّ على أَنَّهَا فِي العضل القابضة إِن كَانَت الآفة فِي العضل والسعال والنفث والنبض. وَقد تبيّن لَك كَيْفيَّة دَلَائِل النَّفس وَكَيْفِيَّة دَلَائِل الصَّوْت وَكَيْفِيَّة دَلَائِل السعال وَكَيْفِيَّة دَلَائِل النفث. وَأما النبض وَمَا يُوجِبهُ بِحَسب الأمزجة والأمراض فقد عرفت ذَلِك. والرئة مجاورة للقلب وَالِاسْتِدْلَال من أَحْوَاله عَلَيْهَا أقوى والنبض أدلّ على مَا يَلِي شعب الْعصبَة من الرئة والسعال أدلّ على مَا يَلِي القصبة ولحمية الرئة. وإحساس اللذع والنخس دَلِيل خَاص على أَن الْمَادَّة فِي الأغشية والعضلات فَإِذا كَانَ الانتفاث بسعال خَفِيف فالمادة قريبَة من أعالي القصبة وَمَا يَليهَا وَإِن كَانَت لَا تنفث إِلَّا بسعال قوي فالمادة غائرة بعيدَة وَقد تصْحَب آفَات أَعْضَاء الصَّدْر عَلَامَات من أَعْضَاء بعيدَة مثل الدوار فِي أورام الْحجاب وحمرةَ الْوَجْه فِي أورام الرئة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute