للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخصوصاً قولون صفراء كَثِيرَة قد انصبت إِلَيْهِ وَلَيْسَت تخرج مِنْهُ لسَبَب حَائِل فَلَا تَجِد الْمرة الَّتِي فِي المرارة موضعا يفرغ فِيهِ وَإِن كَانَ المجرى مَفْتُوحًا وَهَذَا قَلِيل جدا وَكَأَنَّهُ بعيد لِأَن المرارة إِذا كثرت وحصلت فِي معي أخرجت نَفسهَا وَغَيرهَا إِلَّا أَن يكون عرض للحس أَن بَطل وللدافعة أَن سَقَطت. وَأما اليرقان الْأسود الطحالي نَفسه فِي وُجُوه تكونه على اليرقان المراري من حَيْثُ تكونه لسدد المجريين وَمن حَيْثُ كَونه لضعف بعض القوى وَقُوَّة بَعْضهَا. وَأما اليرقان الْأسود الكبدي فَرُبمَا كَانَ لشدَّة حرارة الكبد فيحرق الدَّم إِلَى السَّوْدَاء وتكثر السَّوْدَاء فِي الْبدن فَإِن أَعَانَهُ من الطحال والمجاري معاون تمّ الْأَمر وَرُبمَا كَانَ لشدَّة بردهَا فيتعكّر لَهَا الدَّم ويسودّ. وَقد يكون ذَلِك الْبرد مَعَ يبس وَقد يكون مَعَ رُطُوبَة وَقد يكون بِسَبَب أورام بَارِدَة وصلبة. وَأما اليرقان الْأسود الَّذِي بِسَبَب الْبدن كُله فإمَّا لشدَّة حرارة الْبدن فيحرق الدَّم سَوْدَاء أَو لشدَّة بروده فيجمده ويسوده. وكل يرقان أصفر أَو أسود يكون سَببه الْبدن كُله فَهُوَ بِسَبَب الْعُرُوق المنبثة فِي الْبدن وَيكون فَسَاد اسْتِحَالَة الدَّم إِلَيْهَا على قِيَاس فَسَاد اسْتِحَالَة الدَّم إِلَى مَادَّة الاسْتِسْقَاء اللحمي الكائنة مِنْهُ إِن لم يكن هُنَاكَ فَسَاد ظَاهر فِي الكبد بل كَانَ فِي الْعُرُوق فَقَط. وَقد يمكنك أَن تقدم فتعلم أَن اليرقان الْأسود قد يكون للكثرة وَقد يكون للاحتباس وعَلى قِيَاس مَا قيل فِي الْأَصْفَر وَقد تَجْتَمِع اليرقانات مَعًا إِمَّا لِأَن الصَّفْرَاء المنتشرة يعرض لَهَا وللمخالطها من الدَّم الاحتراق فَيصير سَوْدَاء ويتركّب الخلطان أَو لِأَن فِي الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا آفَة أَعنِي جَانب الكبد والمرارة وجانب الطحال. وَقد ظن قوم أَن الْأَصْفَر قد يعرض بَغْتَة وَالْأسود لَا يعرض بَغْتَة وذهبوا إِلَى أَن سَبَب تولّد الصَّفْرَاء أقوى من سَبَب تولد السَّوْدَاء والسوداء تتولد قَلِيلا قَلِيلا وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك وَإِن كَانَ الْأَكْثَر على مَا قَالُوا. وَقد يتَّفق أَيْضا أَن يكون اليرقان الْأسود بحراناً لأمراض الطحال وَمَا يشبهها إِذا لم تهتد الطبيعة إِلَى جِهَة النَّقْص لسَبَب معوّق. وَأكْثر أَصْحَاب اليرقان الْأَصْفَر تعتقل طبيعتهم لاحتباس المنبه اللذاع الَّذِي وَمن كَانَ بِهِ يرقان وَترك فَلم يعالجه وَلم تتحلل مادته خيف عَلَيْهِ الْخطر. وَكثير مِنْهُم يُصِيبهُ الْمَوْت فَجْأَة. وشرّ أَصْنَاف اليرقان الكبدي مَا كَانَ عَن ورم وَهُوَ الَّذِي ذكره أبقراط فَقَالَ: إِذا كَانَ الكبد فِي الماروق صلبة فَذَلِك دَلِيل رَدِيء. وَقد قَالَ أبقراط فِي بعض مَا ينْسب إِلَيْهِ: أَن من اليرقان ضربا رديئاً سريع الإهلاك وَيكون فِي بَوْل صَاحبه شَبيه بالكرسنّة أَحْمَر اللَّوْن وَيكون مَعَه غرز فِي الْبَطن وَحمى وقشعريرة ضَعِيفَة وَيكون ضعف فِي الْكَلَام من شدَّة الدوار وَهَذَا يقتل إِلَى أَرْبَعَة عشر يَوْمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>