الْفَنّ الثَّامِن عشر أَحْوَال الْكُلية يشْتَمل على مقالتين: الْمقَالة الأولى كلّيات أَحْكَام الْكُلية وتفصيلها فصل فِي تشريح الْكُلية خلقت الْكُلية آلَة تنقي الدَّم من المائية الفضلية لمحتاج كَانَ إِلَيْهَا حَاجَة أوضحناها وَتلك الْحَاجة تبطل عِنْد نضج الدَّم واستعداده للنفوذ فِي الْبدن وَقد علمت هَذَا وَلما كَانَت هَذِه المائية كَثِيرَة جدا كَانَ الْوَاجِب أَن يخلق الْعُضْو المنقّي إِيَّاهَا الجاذب لَهَا إِلَى نَفسه وَإِمَّا عضوا كَبِيرا وَاحِدًا وَإِمَّا عضوين زَوْجَيْنِ. لَو كَانَ كَبِيرا وَاحِدًا لضيق وزاحم فخلق بدل الْوَاحِد إثنان وَفِي تثنيته الْمَنْفَعَة الْمَعْرُوفَة فِي خلقَة الْأَعْضَاء زَوْجَيْنِ وقسمين وأقساماً أَكثر من وَاحِد لتَكون الآفة إِذا عرضت لوَاحِد مِنْهُمَا قَامَ وتلزيزه لمنافع إِحْدَاهَا ليتلافى بالتكثير تَصْغِير الحجم وَالثَّانيَِة ليَكُون مُمْتَنعا عَن جذب غير الرَّقِيق ونشفه والثائثة ليَكُون قوي الْجَوْهَر غير سريع الانفعال عَمَّا يتملى عَنهُ كل وَقت من المائية الحادة الَّتِي يصحبها أخلاط حادة فِي أَكثر الْأَوْقَات. فَلَمَّا خلقتا كَذَلِك سهل نُفُوذ الوتين فِي مجاورتهما بَينهمَا وانفرج مكانهما لما وضع هُنَاكَ من الأحشاء وَجعلت الْكُلية الْيُمْنَى فَوق الْيُسْرَى ليَكُون أقرب من الكبد وأجذب عَنْهَا مَا أمكن فَهِيَ بِحَيْثُ تمسها بل تماس الزَّائِد الَّتِي تَلِيهَا وَجعلت الْيُسْرَى نازلة لِأَنَّهَا زوحمت فِي الْجَانِب الْأَيْسَر بالطحال وليكون المتحلب من المائية لَا يتحيّر بَين قسْمَة معتدله بل ينجذب إِلَى الْأَقْرَب أَولا وَإِلَى الْأَبْعَد ثَانِيًا وهما يتراءيان بمقعرهما ومحدبهما يَلِي عظم الصلب وَجعل فِي بَاطِن كل كُلية تجويف تنجذب إِلَيْهِ المائية من الطالع الَّذِي يَأْتِيهِ وَهُوَ قصير ثمَّ يتحلّب عَنْهَا من بَاطِنهَا إِلَى المثانة فِي الحالب الَّذِي ينْفَصل عَنْهَا قَلِيلا قَلِيلا بعد أَن يستنظف الْكُلية مَا يصحب تِلْكَ المائية من فضل الدَّم استنظافاً أبلغ مَا يُمكنهُ فيغتذي بِمَا يستنظف مِنْهُ وَيدْفَع الْفضل فَإِن المائية لَا تَأتي الْكُلية وَهِي فِي غَايَة التصفي والتمييز بل يَأْتِيهَا وفيهَا دموية بَاقِيَة كَأَنَّهَا غسالة لحم غسل غسلا بليغاً وَكَذَلِكَ إِذا ضعفت الْكُلية لم تستنظف فَخرجت المائية مستصحبة للدموية. وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت الكبد ضَعِيفَة فَلم تميز المائية عَن الدموية تمييزاً بِالْقدرِ الَّذِي يَنْبَغِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute