للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاعْتِبَار الأول هُوَ اعْتِبَار الثقب والمنافذ. وَأما الاستحالات فَهِيَ كمالات للسطوج المحيطة بالثقب وَكَذَلِكَ فَإِن الشرايين تَجْتَمِع إِلَى شريانين إِن أخذت الِابْتِدَاء من المشيمة وجدتهما ينفذان من السرّة إِلَى الشريان الْكَبِير الَّذِي على الصلب متركبين على المثانة فَإِنَّهَا أقرب الْأَعْضَاء الَّتِي يُمكن أَن يسْتَند اليها هُنَاكَ مشدودين بأغشية للسلامة ثمَّ ينفذان فِي الشريان الدَّائِم الَّذِي لَا يَنْفَسِخ فِي الْحَيَوَان إِلَى آخر حَيَاته فَهَذَا هُوَ ظَاهر قَول الْأَطِبَّاء. وَأما فِي الْحَقِيقَة فهما شعبتان منبتهما الْحَقِيقِيّ من الشريان وعَلى الْقيَاس الْمَذْكُور. وَيَقُول الْأَطِبَّاء إِنَّمَا لم يصلح لَهما أَن يتحدا ويمتدا إِلَى الْقلب لطول الْمسَافَة واستقبال الحواجز وَلما قربت مسافتهما من الْمُتَّصِل بِهِ لم يحتاجا إِلَى الِاتِّحَاد. ويذكرون أَن الشريان والوريد النافذين من الْقلب والرئة لما كَانَ لَا ينْتَفع بهما فِي ذَلِك الْوَقْت فِي التنفس مَنْفَعَة عَظِيمَة صرف نفعهما إِلَى الْغذَاء فَجعل لأَحَدهمَا إِلَى الآخر منفذ ينسد عِنْد الْولادَة. وَأَن الرئة إِنَّمَا تكون حَمْرَاء فِي الأجنة لِأَنَّهَا لَا تتنقس هُنَاكَ بل تغتذي بِدَم أَحْمَر لطيف وَإِنَّمَا تبيضها مُخَالطَة الهوائية فتبيضّ. وَتقول الْأَطِبَّاء أَن الغشاء اللفائفي خلق من مني الْأُنْثَى وَهُوَ قَلِيل وَأَقل من مني الرجل فَلم يُمكن أَن يكون وَاسِعًا فَجعل طَويلا ليصل الْجَنِين بأسافل الرَّحِم وضاق عَن الرطوبات كلهَا فَلم يكن بُد من أَن يفزد للعرق مصب وَاسع وَهَذَا من متكلفاتهم والجنين إِذا سبق إِلَى قلبه مزاج ذكوري فاض فِي جَمِيع الْأَعْضَاء وَهُوَ بالذكورية ينْزع إِلَى أَبِيه. وَرُبمَا كَانَ سَبَب ذكوريته غير مزاج أَبِيه بل حَال من الرَّحِم أَو من مزاج عرضي للمني خَاصَّة فَكَذَلِك لَا يجب إِذا أشبه الْأَب فِي أَنه ذكر أَن يُشبههُ فِي سَائِر الْأَعْضَاء بل رُبمَا يشبه الْأُم. والشبه الشخصي يتبع الشكل. والذكورة لَا تتبع الشكل بل المزاج. وَرُبمَا يعرض للقلب وَحده مزاج كمزاج الْأَب يفِيض فِي الْأَعْضَاء. وَأما من جِهَة الاستعداد الشكلي فَيكون الْقبُول من الْمَادَّة فِي الْأَطْرَاف مائلاً إِلَى شكل الْأُم وَرُبمَا قدرت المصورة على أَن تغلب الْمَنِيّ وتشكله من جِهَة التخطيط بشكل الْأَب وَلَكِن تعجز من جِهَة المزاج أَن تَجْعَلهُ مثله فِي المزاج. وَقد قَالَ قوم من الْعلمَاء - وَلم يبعدوا عَن حكم الْجَوَاز - أَن من أَسبَاب الشّبَه مَا يتَمَثَّل عِنْد حَال الْعلُوق فِي وهم الْمَرْأَة أَو الرجل من صُورَة إنسانية تمثلاً متمكناَ. وَأما السَّبَب فِي القدود فقد يكون النُّقْصَان فِيهَا من قبل الْمَادَّة القليلة فِي الأول أَو من قبل قلّة الْغذَاء عِنْد التخلق أَو من قبل صغر الرَّحِم فَلَا يجد الْجَنِين متسعاً فِيهِ كَمَا يعرض للفواكه الَّتِي تخزن فِي قوالب وَهِي بعد فجة فَلَا يزِيد عَلَيْهَا. وَالسَّبَب فِي التوأم كَثْرَة الْمَنِيّ حَتَّى يفِيض إِلَى بَطْني الرَّحِم فيضاً يمْلَأ كلا على حِدة وَرُبمَا اتّفق لاخْتِلَاف مدفع الزرقين إِذا وافى ذَلِك اخْتِلَاف حَرَكَة من الرَّحِم فِي الجذب فَإِن الرَّحِم عِنْد الجذب يعرض لَهَا حركات متتابعة كمن يلتقم لقْمَة بعد لقْمَة وكما تتنفّس السَّمَكَة تنفساً بعد تنفسٍ لِأَنَّهَا أَيْضا تدفع الْمَنِيّ إِلَى قَعْر الرَّحِم دفعات كل دفْعَة يكون مَعهَا جذبة الْمَنِيّ من خَارج طلبا من الرَّحِم للْجمع بَين المنيين وَذَلِكَ شَيْء يحسه المتفقة من المجامعين ويعرفن أَيْضا أَنْفسهنَّ. وَتلك الدفعات والجذبات لَا تكون صرفة بل اختلاجية كَأَن كل وَاحِدَة مِنْهَا مركبة من

<<  <  ج: ص:  >  >>