تقدم حركات البحران قبل الْمُنْتَهى الْمُسْتَحق فِي ذَلِك الْمَرَض إِمَّا أَن يكون لقُوَّة الْمَرَض أَو لشدَّة حركته وحدّتها وَأما لسَبَب من خَارج يزعج السَّاكِن مِنْهُ كخطأ فِي مَأْكُول أَو مشروب أَو رياضة أَو لعَارض نفساني فللعوارض النفسانية مدْخل فِي تَحْرِيك البحران وَفِي تَغْيِير جِهَته فَإِن الْفَزع يَجْعَل البحران إسهالياً أَو قيئياً أَو بولياً وَالسُّرُور يَجعله عرقياً وَذَلِكَ بِحَسب حَرَكَة الرّوح إِلَى دَاخل وَإِلَى خَارج. وَإِذا كَانَ تقدم المناهضة بِحَيْثُ يُخَيّر الْقُوَّة إخارة لَا يثبت مَعهَا دون الْمُنْتَهى فَهُوَ دَلِيل الْمَوْت وَرُبمَا بقيت للقوة بَقِيَّة إِلَى الْمُنْتَهى فَكَانَت سَلامَة. وَاعْلَم أَن البحران لَا يَقع فِي وَقت الرَّاحَة والإقلاع وَلَا فِي وَقت التفتير عَن الشدَّة إِلَّا نَادرا قَلِيلا وأولهما أقلّ وَإِنَّمَا رَآهُ اركيعانس فِي تجاربه مرَّتَيْنِ وجالينوس مرّة. وَإِن أفضل البحران مَا يكون فِي وَقت الْمُنْتَهى الْحق وَمَا يتقدمه غير موثوق بِهِ بل يكون إِمَّا نَاقِصا وَإِمَّا رديئاً إزعاجياً وَأما فِي الإبتداء فَلَا يكون بحران الْبَتَّةَ إِلَّا مهْلكا وَبِالْجُمْلَةِ عرُوض عَلَامَات البحران فِي أَوَائِل الْمَرَض يدل على هَلَاك فِي تزيّده إِن كَانَت محمودة يدلّ على بحران نَاقص وَأما فِي الانحطاط فَلَا يكون بحران أصلا وَأما كَيفَ يَقع الْمَوْت فِيهِ أَو حَاله يشبه البحران الْجيد فسنقول فِيهِ من بعد. وَاعْلَم أَن البحران فِي الْأَمْرَاض السليمة يتَأَخَّر لِأَن الطبيعة لَا تكون محرجة فيمكنها أَن تصبر إِلَى أَن تَجِد تَمام النضج. وَفِي القتّالة تتقدم وَلنْ يتفصّى العليل عَن عُهْدَة مَرضه دفْعَة لَيست على سَبِيل التَّحَلُّل إِلَّا وَقد كَانَ استفراغ مَحْمُود أَو خراج مَحْمُود وَأما التحلّل المخلص والذبول المهلك فَلَا يتقدمهما أَعْرَاض وَاعْلَم أَن الْأَمْرَاض مُخْتَلفَة فَمِنْهَا مَا تتحرك فِي الِابْتِدَاء ثمَّ تهدأ وتسكن وَمِنْهَا مَا هُوَ بِالْعَكْسِ وَكَثِيرًا مَا تدلّ الدَّلَائِل على أَن البحران يكون بِدفع الطبيعة مَادَّة الْمَرَض إِلَى جَانب فِي اندفاع الْمَادَّة إِلَيْهِ ضَرَر فَيحْتَاج أَن يقوّي ذَلِك الْجَانِب وَذَلِكَ الْعُضْو وتميل الْمَادَّة إِلَى الْخلاف. وَاعْلَم أَنه رُبمَا جَاءَ بحران جيد ويحسب من السَّادِس فَإِذا هُوَ من السَّابِع وَقد صَحَّ أول الْمَرَض فَإِن البحران الْجيد قَلما يكون فِي السَّادِس. وَاعْلَم أَن أَصْنَاف تغير الْأَمْرَاض ستةٍ فَإِن الْمَرَض إِمَّا أَن يتَغَيَّر إِلَى الصِّحَّة دفْعَة وَإِمَّا إِلَى الْمَوْت دفْعَة وَإِمَّا أَن يتَغَيَّر إِلَى الصِّحَّة قَلِيلا قَلِيلا وَإِمَّا أَن يجْتَمع فِيهِ الْأَمْرَانِ ويؤول إِلَى الصِّحَّة أَو يجْتَمع فِيهِ الْأَمْرَانِ ويؤول إِلَى الْمَوْت. وَاعْلَم أَن اسْم البحران على مَا ذكره من يعْتَمد قَوْله مُشْتَقّ من لِسَان اليونانيين من فصل الْخطاب الَّذِي يتَبَيَّن لأحد المتجادلين أَو المتخاصمين عِنْد الْقُضَاة على الآخر كَأَنَّهُ انْفِصَال وَخُرُوج من الْعهْدَة. قَول كلّي فِي عَلَامَات البحران: إِن البحران قد يتقدمه إِن كَانَ وُقُوعه ليلياً فَفِي النَّهَار أَو كَانَ وُقُوعه نهارياً فَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute