للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأما الْبَارِد فَرُبمَا أقعد الطبيعة وخمد قوتها قبل أَن ينْهض للتوزيع والتفريق والتحليل فَهَذَا مَا يُوجِبهُ الشَّرَاب بِكَثْرَة الْمِقْدَار وبالحرارة والبرودة وَأما إِذا اعْتبر من جِهَة تقويته فَلهُ أَحْكَام أُخْرَى لِأَنَّهُ بِذَاتِهِ مقو للأصحاء ناعش للقوة بِمَا يزِيد فِي جَوْهَر الرّوح بالسرعة. وَأما التبريد والتسخين الْكَائِن مِنْهُ وَأَن كَانَ ضاراً بِالْقِيَاسِ إِلَى أَكثر الْأَبدَان فَكل وَاحِد مِنْهُمَا قد يُوَافق مزاجاً وَقد لَا يُوَافقهُ فَإِن الْأَشْيَاء الْبَارِدَة قد تقَوِّي الَّذِي بهم سوء مزاج كَمَا ذكر جالينوس أَن مَاء الرُّمَّان يُقَوي المحرورين دَائِما وَمَاء الْعَسَل يُقَوي المبرودين دَائِما فالشراب من وَلَيْسَ كلامنا فِي هَذَا الْآن بل فِي قوته الَّتِى بهَا يَسْتَحِيل سَرِيعا إِلَى الرّوح فَإِن ذَلِك بِذَاتِهِ مقو دَائِما فَإِن أَعَانَهُ أَحدهمَا فِي بدن ازدادت تقويته وَإِن خَالفه انتقصت تقويته بِحَسب ذَلِك فَيكون تَغْيِيره النبض بِحَسب ذَلِك إِن قوي زَاد النبض قُوَّة وَإِن سخن زَاد فِي الْحَاجة وَإِن برد نقص من الْحَاجة وَفِي أَكثر الْأَمر يزِيد فِي الْحَاجة حَتَّى يزِيد فِي السرعة. وَأما المَاء فَهُوَ بِمَا ينفذ الْغذَاء يُقَوي ويعفل شَبِيها بِفعل الخمرولأنه لَا يسخن بل يبرد فَلَيْسَ يبلغ مبلغ الْخمر فِي زِيَادَة الْحَاجة فَاعْلَم ذَلِك. الْفَصْل الثَّانِي عشر مُوجبَات النّوم واليقظة فِي النبض أما النبض فِي النّوم فتختلف أَحْكَامه بِحَسب الْوَقْت من النّوم وبحسب حَال الهضم. والنبض فِي أول النّوم صَغِير ضَعِيف لِأَن الْحَرَارَة الغريزية حركتها فِي ذَلِك الْوَقْت إِلَى الانقباض والغور لَا إِلَى الإنبساط والظهور لِأَنَّهَا فِي ذَلِك الْوَقْت تتَوَجَّه بكليتها بتحريك النَّفس لَهَا إِلَى الْبَاطِن لهضم الْغذَاء وإنضاج الفضول وَتَكون كالمقهورة المحصورة لَا محَالة وَتَكون أَيْضا أَشد بطأ وتفاوتاً فَإِن الْحَرَارَة وَإِن حدث فِيهَا تزايد بِحَسب الإحتقان والاجتماع فقد عدمت التزايد الَّذِي يكون لَهَا فِي وَالْحَرَكَة أشدّ إلهاباً وإمالة إِلَى جِهَة سوء المزاج. والاجتماع والاحتقان المعتدلان أقل إلهاباً وَأَقل إخراجاً للحرارة إِلَى القلق. وَأَنت تعرف هَذَا من أَن نفس المتعب وقلقه أَكثر كثيرا من نفس المحتقن حرارة وقلقه بِسَبَب شَبيه بِالنَّوْمِ مِثَاله المنغمس فِي مَاء معتدل الْبرد وَهُوَ يقظان فَإِنَّهُ إِذا احتقنت حرارته وتقؤت من ذَلِك لم تبلغ من تعظيمها النَّفس مَا يبلغهُ التَّعَب والرياضة الْقَرِيبَة مِنْهُ وَإِذا تَأَمَّلت لم تَجِد شَيْئا أَشد للحرارة من الْحَرَكَة. وَلَيْسَت الْيَقَظَة توجب التسخين لحركة الْبدن حَتَّى إِذا سكن الْبدن لم يجب ذَلِك بل إِنَّمَا توجب التسخين بانبعاث الرّوح إِلَى خَارج وحركته إِلَيْهِ على اتِّصَال من تولده هَذَا فَإِذا اسْتمرّ الطَّعَام فِي النّوم عَاد النبض فقوي لتزيد الْقُوَّة بالغذاء وانصراف مَا كَانَ اتجه إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>