للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَصْل الْخَامِس الاستحمام وَذكر الحمامات أما هَذَا الْإِنْسَان الَّذِي كلامنا فِي تَدْبيره فَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى الاستحمام الْمُحَلّل لِأَن بدنه نقي وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى الْحمام من يحْتَاج إِلَيْهِ ليستفيد مِنْهُ حرارة لَطِيفَة وترطيباً معتدلاً فَلذَلِك يجب على هَؤُلَاءِ أَن لَا يطيلوا اللّّبْث فِيهِ بل إِن استعملوا الأبزن استعملوه ريثما تحمر فِيهِ بشرتهم وتربو ويفارقونه عِنْدَمَا يبتدىء يتَحَلَّل. وَيجب أَن ينموا الْهَوَاء بصبّ المَاء العذب حواليهم ويغتسلوا سَرِيعا ويخرجوا وَيجب أَن لَا يُبَادر المرتاض إِلَى الْحمام حَتَّى يستريح بالتمام. وَأما أَحْوَال الحمّامات وشرائطها فقد شرحت وقيلت فِي غير هَذَا الْموضع وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن نقُول هَهُنَا: هُوَ أَن جَمِيع المستحمّين يجب أَن يتمزجوا فِي دُخُول بيُوت الْحمام وَلَا يقيموا فِي الْبَيْت الْحَار إِلَّا مِقْدَار مَا لَا يكرب فيربح بتحليل الفضول وإعداد الْبدن للغذاء مَعَ التحرّز عَن الضعْف وَعَن سَبَب قوي من أَسبَاب حمات العفونة. وَمن طلب السّمن فَلْيَكُن دُخُوله الْحمام بعد الطَّعَام إِن أمِن حُدُوث السدد فَإِن أَرَادَ الِاسْتِظْهَار وَكَانَ حَار المزاج إستعمل السكنجبين ليمنع السمد أَو كَانَ بَارِد المزاج اسْتعْمل الفوذنجي والفلافلي. وَأما من أَرَادَ التَّحْلِيل والتهزيل فَيجب أَن يستحم على الْجُوع وَيكثر الْقعُود فِيهِ. وَأما الَّذِي يُرِيد حفظ الصِّحَّة فَقَط فَيجب أَن يدْخل الْحمام بعد هضم مَا فِي الْمعدة والكبد وَأَن كَانَ يخْشَى ثوران مرار إِن فعل هَذَا واستحم على الرِّيق فليأخذ قبل الاستحمام شَيْئا لطيفاً يتَنَاوَلهُ. والحار المزاج صَاحب المرار قد لَا يجد بدا من ذَلِك وَمثله يحرم عَلَيْهِ دُخُول الْبَيْت الْحَار وَأفضل مَا يجب أَن يتلَقَّى بِهِ هَؤُلَاءِ خبز منقوع فِي مَاء الْفَاكِهَة أَو مَاء الْورْد وليتوق شرب شَيْء بَارِد بِالْفِعْلِ عقيب الْخُرُوج من الْحمام أَو فِي الْحمام فَإِن المسام تكون منفتحة فَلَا يلبث أَن ينْدَفع الْبرد إِلَى جَوْهَر الْأَعْضَاء الرئيسة فَيفْسد قواها وليتوق أَيْضا كل شَيْء شَدِيد الْحَرَارَة وخصوصأ المَاء فَإِنَّهُ إِن تنَاوله خيف أَن يسْرع نُفُوذه إِلَى الْأَعْضَاء الرئيسة فَيحدث السل والدق وليتوق معافصة الْخُرُوج عَن الْحمام وكشف الرَّأْس بعده وتعريض الْبدن للبرد بل يجب أَن يخرج من الْحمام إِن كَانَ الزَّمَان شاتياً وَهُوَ متدثر فِي ثِيَابه. وَيَنْبَغِي أَن يحذر الْحمام من كَانَ محموماً فِي حماه أَو من بِهِ تفرق اتِّصَال أَو ورم. وَقد علمت فِيمَا سلف أَن الْحمام مسخن مبرد مرطب ميبس نَافِع ضار. ومنافعه التنويم والتفتيح والجلاء والإنضاج والتحليل

<<  <  ج: ص:  >  >>