للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِن وقف الْغذَاء عَلَيْهِ ضعف فِي مبيته وَإِن تعشى لم يسْتَمر وَعرض جشاء حامض وخبث نفس وغثيان ومرارة فَم ولين بطن لإيراده على الْمعدة مَا لم تألفه وَعرض مَا يعرض لمن لم يجد هضم غذائه مِمَّا ستعرفه من الْعَوَارِض. وَمِمَّا يعرض لَهُ جبن وجزع ووجع فِي فَم الْمعدة ولذع ويظن أَن أمعاءه واْحشاءه معلقَة لخلو الْمعدة وانقباضها إِلَى نَفسهَا وتقلصها ويبول بولاً محرقاً ويبرز إبرازاً محترقاً وَرُبمَا عرض لَهُ برد الْأَطْرَاف بانصباب المرارة إِلَى الْمعدة. وَهَذَا فِي مراري الأمزجة أَكثر وَكَذَلِكَ فِي مراري الْمعدة دون الْبدن وَيفْسد نَومه وَيكون متململاً. والأبدان الَّتِي تَجْتَمِع فِي معدها مرار كَثِيرَة تحْتَاج إِلَى تنَاول مفرق وَإِلَى سرعَة تَغذٍ وَإِلَى تمًديمه قبل الاستحمام. وَأما غَيرهم فَيجب أَن يرتاضوا ويستحموا ثمَّ يَأْكُلُوا وَلَا يقدموا الْأكل على الاستحمام. وَمن احْتَاجَ إِلَى أكل مقدم على الرياضة فَليَأْكُل من الْخبز وَحده قدرا يَأْخُذ مِنْهُ الهضم قبل شُرُوعه فِي حركته. وكما أَن الْحَرَكَة قبل الطَّعَام يجب أَن لَا تكون ضَعِيفَة كَذَلِك الْحَرَكَة بعده يجب أَن لَا تكون إِلَّا رقيقَة لينَة. ولامصلح للشهوة الْفَاسِدَة المائلة إِلَى الحريفة العائفة للحلو وَالدَّسم من الْقَيْء بِمثل السكنجبين والفجل على السّمك. وَيجب أَن لَا يَأْكُل السمين من النَّاس كَمَا يخرج من الْحمام بل يصبر وينام نومَة خَفِيفَة والأصلح لَهُم الوجبة وَلَا يَنْبَغِي أَن ينَام على طَعَام طَاف وليحترز كل التحرّز عَن الْحَرَكَة العنيفة على الطَّعَام فَينفذ قبل الهضم أَو ينزلق بِلَا هضم أَو يفْسد مزاجه بالخضخضة وَلَا يشرب عَلَيْهِ مَاء كثيرا يفرق بَينه وَبَين الْمعدة ويطفئه بل يتربص بالشرب مُدَّة نُزُوله عَن الْمعدة وليستدل عَلَيْهِ بخفة أعالي الْبَطن فَإِن أحْوج الْعَطش فليمص شَيْئا يَسِيرا من المَاء الْبَارِد مصاً. وَكلما كَانَ أبرد أقنع الْيَسِير مِنْهُ أَكثر وَهَذَا الْقدر يبسط الْمعدة ويجمعها. وَبِالْجُمْلَةِ إِن شرب على الطَّعَام بعد الْفَرَاغ مِنْهُ لَا فِي خلله مِقْدَار مَا ينْتَفع فِيهِ الطَّعَام جَازَ. والمصابرة على الْعَطش وَالنَّوْم عَلَيْهِ نَافِع للمبرودين المرطوبين ضار للمحرورين الممرورين وَكَذَلِكَ الصَّبْر على الْجُوع. ويعرض للممرورين من الصَّبْر على الْجُوع أَن تنصت المرار إِلَى معدهم فَإِذا تناولوا شَيْئا فسد طعامهم فَعرض لَهُم فِي النّوم واليقظة مَا ذَكرْنَاهُ مِمَّا يعرض لمن فسد طَعَامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>