وَلذَلِك ذكر جالينوس أَنه يتَنَاوَل كل لَيْلَة بقيلة خس مُطيب فَأَما الخس فلينومه وَأما التطييب فليتدارك بِهِ تبريده. قَالَ: فَإِنِّي الْآن على النّوم حَرِيص أَي أَنِّي الْيَوْم شيخ يَنْفَعنِي ترطيب النّوم وَهَذَا أنعم التَّدْبِير لمن يعصاه النّوم وَإِن قدم عَلَيْهِ حَماما بعد استكمال هضم الْغذَاء المتناول واستكثاراً من صب المَاء الْحَار على الرَّأْس فَإِنَّهُ نعم الْمعِين. وَأما التَّدْبِير الَّذِي هُوَ أقوى من ذَلِك فنذكره فِي المعالجات فَيجب على الأصحاء أَن يراعوا أَمر النّوم وليكونوا مِنْهُ على اعْتِدَال وَفِي وقته وَلَا يفرطوا فِيهِ وليتقوا ضَرَر السهر بأدمغتهم وبقواهم كلهَا وَكَثِيرًا مَا يُكَلف الْإِنْسَان السهر ويطرد عَنهُ النّوم خوفًا من الغشي وَسُقُوط الْقُوَّة. وَأفضل النّوم الْغَرق وَمَا كَانَ بعد إنحدار الطَّعَام من الْبَطن الْأَعْلَى وَسُكُون مَا عَسى يتبعهُ من النفخ والقراقر فَإِن النّوم على ذَلِك ضار من وُجُوه كَثِيرَة بل وَلَا يطيب وَلَا يتَّصل وَلَا يُفَارق التململ والتقلب وَهُوَ ضار وَهُوَ مَعَ ضَرَره مؤذ لصَاحبه فَلذَلِك يجب أَن يتمشى يَسِيرا إِلَى وَالنَّوْم على الخوى رَدِيء مسْقط للقوة وعَلى الامتلاء قبل الانحدار من الْبَطن الْأَعْلَى رَدِيء لِأَنَّهُ لَا يكون غرقاً بل يكون مَعَ تململ كَمَا تشتغل فِيهِ الطبيعة بِمَا تشتغل بِهِ فِي حَال النّوم من الهضم عارضها استيقاظ مزعج محيّر فتتبلد مَعَه الطبيعة فَيفْسد الهضم. ونوم النَّهَار رَدِيء يُورث الْأَمْرَاض الرطوبية والنوازل وَيفْسد اللَّوْن وَيُورث الطحال ويرخي العصب ويكسل ويضعف الشَّهْوَة وَيُورث الأورام والحميات كثيرا. وَمن أَسبَاب آفاته سرعَة انْقِطَاعه وتبلد الطبيعة عَمَّا كَانَت فِيهِ. وَمن فَضَائِل نوم اللَّيْل أَنه تَامّ مُسْتَمر غرق على أَن مُعْتَاد النّوم بِالنَّهَارِ لَا يجب أَن يهجره دفْعَة بِغَيْر تدريج. وَأما أفضل هيئات النّوم فَأن يبتدىء على الْيَمين ثمَّ يَنْقَلِب على الْيَسَار طِبًّا وَشرعا فَإِذا ابْتَدَأَ على الْبَطن أعَان على الهضم مَعُونَة جَيِّدَة لما يحقن بِهِ من الْحَار الغريزي ويحصره فيكثر وَأما الاستلقاء فَهُوَ نوم رَدِيء يهيىء للأمراض الرَّديئَة مثل السكتة والفالج والكابوس وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يمِيل بالفضول إِلَى خلف فيحتبس عَن مجاريها الَّتِي هِيَ إِلَى قُدَّام مثل المنخرين والحنك وَالنَّوْم على الإستلقاء من عَادَة الضعفى من المرضى لما يعرض لعضلاتهم من الضعْف ولأعضائهم فَلَا يحمل جنب جنبا بل يسْرع إِلَى الاستلقاء على الظّهْر إِذْ الظّهْر أقوى من الْجنب وَمثل هَذَا مَا ينامون فاغرين لضعف العضل الَّتِي بهَا يجمعُونَ الفكين. وَلِهَذَا بَابَانِ قد ذكرناهما فِي الْكتب الْجُزْئِيَّة وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِي ذَلِك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute