الْفَنّ الرَّابِع وُجُوه المعالجات بِحَسب الْأَمْرَاض الْكُلية ويشتمل على ثَلَاثِينَ فصلا. الْفَصْل الأول كَلَام كلي فِي العلاج نقُول: إِن أَمر العلاج يتم من أَشْيَاء ثَلَاثَة: أَحدهَا التَّدْبِير والتغذية وَالْآخر اسْتِعْمَال الْأَدْوِيَة وَالثَّالِث اسْتِعْمَال أَعمال الْيَد. ونعني بِالتَّدْبِيرِ: التَّصَرُّف فِي الْأَسْبَاب الضرورية المعدودة الَّتِي هِيَ جَارِيَة فِي الْعَادة والغذاء من جُمْلَتهَا. وَأَحْكَام التَّدْبِير من جِهَة كيفيتها مُنَاسبَة لأحكام الْأَدْوِيَة لَكِن للغذاء من جُمْلَتهَا أَحْكَام تخصه فِي بَاب الكمية لِأَن الْغذَاء قد يمْنَع وَقد يقلل وَقد يعدل وَقد يُزَاد فِيهِ. وَإِنَّمَا يمْنَع الْغذَاء عِنْد إِرَادَة الطَّبِيب شغل الطبيعة بنضج الأخلاط وأنما يقلل إِذا كَانَ مَعَ ذَلِك لَهُ غَرَض حفظ الْقُوَّة فِيمَا يغذو ويراعي جنبة الْقُوَّة وَبِمَا ينقص يُرَاعِي جنبة الْمَادَّة لِئَلَّا تشتغل عَنْهَا الطبيعة بهضم الْغذَاء الْكثير ويراعي دَائِما أهمهما وَهُوَ الْقُوَّة إِن كَانَت ضَعِيفَة جدا وَالْمَرَض إِن كَانَ قَوِيا جدا والغاء يقلل من جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا من جِهَة الكمية والآخرى من جِهَة الْكَيْفِيَّة وَلَك أَن تجْعَل اجْتِمَاع الْجِهَتَيْنِ قسما ثَالِثا. وَالْفرق بَين جهتي الكمية والكيفة أَنه قد يكون غذَاء كثير الكمية قَلِيل التغذية مثل الْبُقُول والفواكه فَإِن المستكثر مِنْهُمَا مستكثر من كمية الْغذَاء دون كيفيته وَقد يكون غذَاء قَلِيل الكمية كثير التغذية مثل الْبيض وَمثل خصي الديوك وَنحن رُبمَا احتجنا إِلَى أَن نقلل الْكَيْفِيَّة ونكثر الكمية وَذَلِكَ إِذا كَانَت الشَّهْوَة غالبة وَكَانَ فِي الْعُرُوق أخلاط نيئة فأردنا أَن نسكن الشَّهْوَة بملء الْمعدة وَأَن نمْنَع الْعُرُوق مَادَّة كَثِيرَة لينضج أَولا مَا فِيهَا ولأغراض أُخْرَى غير ذَلِك. وَرُبمَا احتجنا أَن نكثر الْكَيْفِيَّة ونقلل الكمية وَذَلِكَ إِذا أردنَا أَن نقوي الْقُوَّة وَكَانَت الطبيعة الموكلة بالمعدة تضعف عَن أَن تزاول هضم شَيْء كثير. وَأكْثر مَا يتكلّف تقليل الْغذَاء وَمنعه إِذا كُنَّا نعالج الْأَمْرَاض الحادة. وَأما فِي الْأَمْرَاض المزمنة فَإنَّا قد نقلل أَيْضا وَلَكِن ثقيلاً أقل من تقليلنا مِمَّا فِي الْأَمْرَاض الحادة لِأَن عنايتنا بِالْقُوَّةِ فِي الْأَمْرَاض المزمنة أَكثر لأَنا نعلم أَن بحرانها بعيد ومنتهاها بعيد فَإِذا لم تحفظ الْقُوَّة لم تف بالثبات إِلَى وَقت البحران وَلم تف بنضج مَا تطول مُدَّة إنضاجه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute