وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول إِن أَحْوَال بدن الْإِنْسَان ثَلَاث: الصِّحَّة وَالْمَرَض وَحَالَة ثَالِثَة لَا صِحَة وَلَا مرض وَأَنت اقتصرت على قسمَيْنِ فَإِن هَذَا الْقَائِل لَعَلَّه إِذا فكر لم يجد أحد الْأَمريْنِ وَاجِبا لَا هَذَا التَّثْلِيث وَلَا إخلالنا بِهِ ثمَّ إِنَّه إِن كَانَ هَذَا التَّثْلِيث وَاجِبا فَإِن قَوْلنَا الزَّوَال عَن الصِّحَّة يتَضَمَّن الْمَرَض وَالْحَالة الثَّالِثَة الَّتِي جعلوها لَيْسَ لَهَا حد الصِّحَّة إِذْ الصِّحَّة ملكه أَو حَالَة تصدر عَنْهَا الْأَفْعَال من الْمَوْضُوع لَهَا سليمَة وَلَا لَهَا مُقَابل هَذَا الْحَد إِلَّا أَن يحدوا الصِّحَّة كَمَا يشتهون ويشترطون فِيهِ شُرُوطًا مَا بهم إِلَيْهَا حَاجَة. ثمَّ لَا مناقشة مَعَ الْأَطِبَّاء فِي هَذَا وَمَا هم مِمَّن يناقشون فِي مثله وَلَا تُؤدِّي هَذِه المناقشة بهم أَو بِمن يناقشهم إِلَى فَائِدَة فِي الطِّبّ. وَأما معرفَة الْحق فِي ذَلِك فمما يَلِيق بأصول صناعَة أُخْرَى نعني أصُول صناعَة الْمنطق فليطلب من هُنَاكَ.
الْفَصْل الثَّانِي: فِي مَوْضُوعَات الطِّبّ لما كَانَ الطِّبّ ينظر فِي بدن الْإِنْسَان من جِهَة مَا يَصح وَيَزُول عَن الصِّحَّة وَالْعلم بِكُل شَيْء إِنَّمَا يحصل وَيتم إِذا كَانَ لَهُ أَسبَاب يعلم أَسبَابه فَيجب أَن يعرف فِي الطِّبّ أَسبَاب الصِّحَّة وَالْمَرَض وَالصِّحَّة وَالْمَرَض وأسبابهما قد يكونَانِ ظَاهِرين وَقد يكونَانِ خفيين لَا ينالان بالحس بل بالاستدلال من الْعَوَارِض فَيجب أَيْضا أَن تعرف فِي الطِّبّ الْعَوَارِض الَّتِي تعرض فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض وَقد تبين فِي الْعُلُوم الْحَقِيقِيَّة أَن الْعلم بالشَّيْء إِنَّمَا يحصل من جِهَة الْعلم بأسبابه ومباديه إِن كَانَت لَهُ وَإِن لم تكن فَإِنَّمَا يتمم من جِهَة الْعلم بعوارضه ولوازمه الذاتية. لَكِن الْأَسْبَاب أَرْبَعَة أَصْنَاف: مادية وفاعلية وصورية وتمامية. والأسباب المادية: هِيَ الْأَشْيَاء الْمَوْضُوعَة الَّتِي فِيهَا تتقوم الصِّحَّة وَالْمَرَض. أما الْمَوْضُوع الْأَقْرَب فعضو أَو روح وَأما الْمَوْضُوع الْأَبْعَد فَهِيَ الأخلاط وَأبْعد مِنْهُ هُوَ الْأَركان. وَهَذَانِ موضوعان بِحَسب التَّرْكِيب وَإِن كَانَ أَيْضا مَعَ الاستحالة وكل مَا وضع كَذَلِك فَإِنَّهُ يساق فِي تركيبه واستحالته إِلَى وحدة مَا وَتلك الْوحدَة فِي هَذَا الْموضع الَّتِي تلْحق تِلْكَ الْكَثْرَة: إِمَّا مزاج وَإِمَّا هَيْئَة. أما المزاج فبحسب الاستحالة وَأما الْهَيْئَة فبحسب التَّرْكِيب. وَأما الْأَسْبَاب الفاعلية: فَهِيَ الْأَسْبَاب الْمُغيرَة أَو الحافظة لحالات بدن الْإِنْسَان من الأهوية وَمَا يتَّصل بهَا والمطاعم والمياه والمشارب وَمَا يتَّصل بهَا والاستفراغ والاحتقان والبلدان والمساكن وَمَا يتَّصل بهَا والحركات والسكونات الْبَدَنِيَّة والنفسانية وَمِنْهَا النّوم واليقظة والاستحالة فِي الْأَسْنَان وَالِاخْتِلَاف فِيهَا وَفِي الْأَجْنَاس والصناعات والعادات والأشياء الْوَارِدَة على الْبدن الإنساني مماسة لَهُ إِمَّا غير مُخَالفَة للطبيعة وَإِمَّا مُخَالفَة للطبيعة وَأما الْأَسْبَاب الصورية: فالمزاجات والقوى الْحَادِثَة بعْدهَا والتراكيب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute