للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى الدِّمَاغ وأعان الدِّمَاغ على إفساده وَقد يعرض فِي آخر الْأَمْرَاض المادية خُصُوصا الحادة مالنخوليا فَيكون عَلامَة موت. وحينيذٍ يعرض لذَلِك الْإِنْسَان أَن يذكر الْمَوْت والموتى كثيرا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن السَّوْدَاء تكْثر فتتولد تَارَة بِسَبَب الْعُضْو الْفَاعِل للغذاء وَهُوَ الكبد إِذا أحرق الدَّم أَو ضعف عَن دفع الْفضل السوداوي وَهُوَ الْأَقَل وَتارَة بِسَبَب الْعُضْو الَّذِي هُوَ مفرغة للسوداء وَهُوَ الطحال إِذا ضعف عَن أَمريْن: أَحدهمَا: جذب ثقل الدَّم ورماده عَن الكبد وَالْآخر: دفع فضل مَا ينجذب إِلَيْهِ مِنْهُ إِلَى المدفع الَّذِي لَهُ وَقد يتَوَلَّد السَّوْدَاء فِي عُضْو آخر إِمَّا بِسَبَب شدَّة إحراقه لغذائه أَو بِسَبَب عَجزه عَن دفع فضل عذائه فيتحلل لطيفه ويتعكر كثيفه سَوْدَاء أَو بِسَبَب شَدِيد تبريده وتجفيفه لما يصل إِلَيْهِ وَقد يكون السَّبَب فِي تولده أَيْضا الأغذية المولدة للسوداء. وَقد رأى بعض الْأَطِبَّاء أَن المالنخوليا قد يَقع عَن الْجِنّ وَنحن لَا نبالي من حَيْثُ نتعلم الطِّبّ أَن ذَلِك يَقع عَن الْجِنّ أَو لَا يَقع بعد أَن نقُول: إِنَّه إِن كَانَ يَقع من الْجِنّ فَيَقَع بِأَن يحِيل المزاج إِلَى السَّوْدَاء فَيكون سَببه الْقَرِيب السَّوْدَاء ثمَّ ليكن سَبَب تِلْكَ السَّوْدَاء جنّاً أَو غير جن وَمن الْأَسْبَاب القوية فِي توليد المالنخوليا فراط الْغم أَو الْخَوْف. وَيجب أَن تعلم أَن السَّوْدَاء الْفَاعِل للمالنخوليا قد تكون إِمَّا السَّوْدَاء الطبيعية وَإِمَّا البلغم إِذا اسْتَحَالَ سَوْدَاء بتكاثف أَو أدنى احتراق وَإِن كَانَ هَذَا يقل ويندر. وَأما الدَّم إِذا اسْتَحَالَ بانطباخ أَو بتكاثف دون احتراق شَدِيد. وَأما الْخَلْط الصفراوي فَإِنَّهُ إِذا بلغ فِيهِ الاحتراق الْغَايَة فعل مانيا وَلم يقْتَصر على المالنخوليا. فَكل وَاحِد من أَصْنَاف السَّوْدَاء إِذا وَقع من الدِّمَاغ الْموقع الْمَذْكُور فعل المالنخوليا لَكِن بعضه يفعل مَعَه المانيا. وأمسلم المالنخوليا مَا كَانَ عَن عكر الدَّم وَمَا كَانَ مَعَه فَرح وَكَثِيرًا مَا ينْحل المالنخوليا بالبواسير والدوالي وَقد يقل تولد هَذِه الْعلَّة فِي الْبيض السمان وَيكثر فِي الْأدم الزب القضاف وَيكثر تولدها فِيمَن كَانَ قلبه حاراً جدا ودماغه رطبا فَتكون حرارة قلبه مولّدة للسوداء فِيهِ ورطوبة دماغه قَابِلَة لتأثير مَا يتَوَلَّد فِي قلبه وَمن المستعدين لَهُ اللثغ الأحذاء الْخفاف الْأَلْسِنَة والطرف الأشد حمرَة الْوَجْه والأدم الزب وخصوصاً فِي صُدُورهمْ السود الشُّعُور الغلاظها الواسعو الْعُرُوق الْغِلَاظ الشفاه لِأَن بعض هَذِه دَلَائِل حرارة الْقلب وَبَعضهَا دَلَائِل رُطُوبَة الدِّمَاغ وَكَثِيرًا مَا يكونُونَ فِي الظَّاهِر بلغميين وَهَذِه الْعلَّة تعرض للرِّجَال أَكثر وللنساء أفحش. وتكثر فِي الكهول والشيوخ وتقلّ فِي الشتَاء وتكثر فِي الصَّيف والخريف وَقد تهيج فِي الرّبيع كثيرا أَيْضا لِأَن الرّبيع يثير الأخلاط خالطاً إِيَّاهَا بِالدَّمِ وَرُبمَا كَانَ هيجانه بأدوار فِيهَا تهيج السَّوْدَاء وتثور. والمستعد للمالنخوليا يصير إِلَيْهَا بِسُرْعَة إِذا أَصَابَهُ خوف أَو غم أَو سهر أَو احْتبسَ مِنْهُ عَادَة سيلان الدَّم أَو قيء سوداوي أَو غير ذَلِك.

<<  <  ج: ص:  >  >>