للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جالينوس وَغَيره وشاهدنا نَحن أَيْضا بعده أنّ كثيرا مَا كَانَ يحس المصروع بِشَيْء يرْتَفع من إِبْهَام رجله لريح بَارِدَة وَيَأْخُذ نَحْو دماغه فَإِذا وصل إِلَى قلبه ودماغه صرع. قَالَ جالينوس: وَكَانَ إِذا ربط سَاقه برباط قوي قبل النّوبَة امْتنع ذَلِك أَو خف. وَقد شاهدنا نَحن من هَذَا الْبَاب أموراً عَجِيبَة وَقد كُوي بَعضهم على إبهامه وَبَعْضهمْ على إِصْبَع آخر كَانَ البخار من جِهَته فبرأ. وَمن هَذَا الْبَاب الصرع الَّذِي يعرض بِسَبَب الديدان أَو حب القرع وَضرب من الصرع مركّب بالغشي يكَاد الْأَطِبَّاء يخرجونه من بَاب الصرع وَهُوَ فِيهِ وَضرب مِنْهُ وَمن قبيله يُسمى اختناق الرَّحِم وَهُوَ أَن الْمَرْأَة إِذا عرض لَهَا أَن احْتبسَ طمثها لَا فِي وقته فاحتقن أَو احْتبسَ منيها لترك الْجِمَاع اسْتَحَالَ ذَلِك فِي رَحمهَا إِلَى كَيْفيَّة سمّية وَكَانَ لَهُ حركات وتبخيرات إِمَّا بأدوار وَإِمَّا لَا بأدوار فَيعرض أَن يرْتَفع بخارها إِلَى الْقلب والدماغ فتصرع الْمَرْأَة وَكَذَلِكَ قد يتَّفق للرجل أَن يجْتَمع فِي أوعية المنيّ مِنْهُ كثير ويتراكم ويبرد ويستحيل إِلَى كَيْفيَّة سميَّة فَيُصِيبهُ مثل ذَلِك. كَذَلِك يتَّفق للْمَرْأَة صرع فِي الْحمل فَإِذا وضعت واستفرغت الْمَادَّة الرَّديئَة الطمثية زَالَ ذَلِك. وَقد حكى لنا صرع يَبْتَدِئ من الفقار وصرع يَبْتَدِئ من الْكَتف وَغير ذَلِك وَأما أَن يكون من الْمعدة وَمن المراق وبسبب تخم تورث سدداً فِي الْعُرُوق فَلَا تقبل الْغذَاء الْمَحْمُود وَيفْسد فِيهَا الْخَلْط أَو يبْقى فِيهَا الْغذَاء الْمَحْمُود مختنقاً للسدد فَيفْسد وَكَثِيرًا مَا يتراجع إِلَى الْمعدة فَاسِدا فَيفْسد الْغذَاء الْجَدِيد الْمَحْمُود الكيموس وَكَثِيرًا مَا يعرض بِسَبَب ذَلِك الْقَيْء للطعام غير منهضم وعَلى كل حَال كَانَ الصرع بشركة أَو بِغَيْر شركَة فإنّ مبدأ الصرع الْقَرِيب هُوَ الدِّمَاغ أَو الْبَطن المقدّم مِنْهُ والبطون الأُخر مَعَه لِأَن أول آفَة يعْتد بهَا تقع فِي حسّ الْبَصَر والسمع وَفِي حركات عضل الْوَجْه والجفن وَإِن كَانَ سَائِر الْحَواس والأعضاء المتحركة تشترك فِي الآفة وَلَوْلَا الْمُشَاركَة فِي الآفة لسَائِر الْبُطُون لما بَطل الْفَهم وَلما تضرروا فِي التنفس. والصرع فِي أَكثر الْأَمر يتقدمه التشنج ثمَّ يكون من بعده الصرع وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا استحكم التشنّج كَانَ الصرع فَإِذا انْدفع السَّبَب المؤذي أَو تحلل الرّيح عَادَتْ الْأَفْعَال الحسّية والحركيّة وَرُبمَا ظهر الْخَلْط المندفع مُعَاينَة فِي المنخر وَفِي الْحلق. وَكَثِيرًا مَا يكون الصرع بِلَا تشنّج محسوس وَذَلِكَ لأنّ الْمَادَّة الفاعلة لَهُ تكون والصرع يُصِيب الصّبيان كثيرا بِسَبَب رطوباتهم فَرُبمَا ظهر بهم أول مَا يولدون وَقد يكون بعد الترعرع فَإِن أُصِيب فِي تدبيرهم زَالَ وَإِلَّا بَقِي وَيجب أَن يجْتَهد أَن يزَال عَنْهُم ذَلِك قبل الإنبات. وَأبْعد الصّبيان من ذَلِك من يعرض لَهُ فِي نَاحيَة رَأسه قُرُوح وأورام وَيكون سَائل المنخرين. وللدماغ رُطُوبَة فِي أصل الْخلقَة من حَقّهَا أَن تنبثق فَرُبمَا تنبثق فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>