وَأرى أَنه مِمَّا يعرض كثيرا وَيَزُول فِي الْوَقْت. والتشنج المادي قد يعرض كثيرا على سَبِيل انْتِقَال من الْمَادَّة كَمَا يعرض عقيب الخوانيق وعقيب ذَات الْجنب وعقيب السرسام. وَأما الَّذِي يكون من التشنج لفقدان الْمَادَّة والرطوبة وَغَلَبَة ليبس فَيعرض من ذَلِك أَن ينتقص طولا وعرضاً وينشوي فيجتمع إِلَى نَفسه كَحال السّير المقدّم إِلَى النَّار وَأَنت تعلم حَال الأوتار أَنَّهَا تقصر فِي الشتَاء للترطب وتقصر فِي الصَّيف للتجفف وَكَذَلِكَ حَال العصب وَقد يكون من التشنّج الَّذِي لَا ينْسب إِلَى مَادَّة مَا تقع بِسَبَب شَيْء مؤذٍ ينفر عَنهُ العصب ويجتمع لدفعه. وَذَلِكَ السَّبَب إِمَّا وجع من سَبَب موجع وَكَثِيرًا مَا يكون من خلط حَار لاذع وَإِمَّا كَيْفيَّة سميَّة تتأدى إِلَى الدِّمَاغ والعصب كَمَا تعرض لمن لسعته الْعَقْرَب على عصبه وَإِمَّا كَيْفيَّة غير سميَّة مثل مَا يعرض التشنّج من برد شَدِيد يجمع العصب والعضل ويكتفه فيتقلص إِلَى رَأسه وكما أَن الاسترخاء قد كَانَ يخْتَلف فِي الْأَعْضَاء بِحَسب مبادي أَعْضَائِهِ فَكَذَلِك التشنّج. وَالْقِيَاس فيهمَا وَاحِد فِيمَا يكون دون الرَّقَبَة وَفِي قُدَّام وَخلف فِي جِهَة وَمَا يكون فَوق الرَّقَبَة. والتشنّج الامتلائي الرطب سَببه الذاتي أما الرُّطُوبَة وَالْبرد يُعينهُ على إجماده وتغليظه فَلَا ينبسط وَأما اليبوسة والحرّ يعين على مبالغته بتحليل الرُّطُوبَة. والمادة الفاعلة للتشنج إِنَّمَا تشنج وَلَا ترخي لغلظها وَلِأَنَّهَا غير مداخلة لجوهر الليف مداخلة سَارِيَة منتفعة فِيهَا وَلكنهَا مزاحمة فِي الْفرج وَكَأن التشنج صرع عُضْو كَمَا أَن الصرع تشنج الْبدن كُله. وَالْفرق بَينهم الْعُمُوم وَالْخُصُوص وَأَن أَكثر الصرع ينحلّ بِسُرْعَة وَقد يكون بأدوار وَغير ذَلِك من فروق تعلمهَا. وَمن التشنج الرطب مَا يعرض للمرضعات بمجاورة الثدي وترطيب اللبنية للأوتار وجمود اللَّبن فِيهَا وَمِنْه مَا يعرض للسكارى وَمِنْه مَا يعرض للصبيان لرطوبتهم وَكَثِيرًا مَا يعرض لَهُم فِي حميّاتهم الحادة وَعند اعتقال بطونهم وَفِي سهرهم وَكَثْرَة بكائهم يتشنّجون أَيْضا فِي حمّياتهم وَإِن كَانَت حمياتهم خَفِيفَة. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن الصّبيان يسهل وقوعهم فِي التشنج لضعف قوى أدمغتهم وأعصابهم وَضعف عضلهم ويسهل خُرُوجهمْ عَنهُ لقُوَّة قوى أكبادهم وَقُلُوبهمْ وَلِأَن أخلاطهم لَيست بعاصية شَدِيدَة الغلظ وَلذَلِك يعافون عَن التشنج الْيَابِس بِسُرْعَة لرطوبة مزاجهم ورطوبة غذائهم. وَأما البالغون فَلَا يسهل أحد الْأَمريْنِ فيهم. على أَنه قد يعرض للصبيان تشنج رَدِيء عقيب الحميات الحادة وَتَكون مَعَه العلامات الَّتِي تذكر فقلما يتخلصون مِنْهَا. وَأما من جَاوز سبع سِنِين فَلَا يتشنج إِلَّا لحمى صعبة جدا وَمن التشنّج مَا يعرض للخوف وَالسَّبَب فِيهِ أَن الرّوح الباسط يغور دفْعَة ويستتبع العضل متحركة إِلَى المبادي ثمَّ تجمد على هيئتها. وَمن التشنج مَا يَقع بِسَبَب الِاعْتِمَاد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute