وَأما الْكَائِن بِسَبَب الرطوبات: فأمّا الجليدية مِنْهَا فبأن تَتَغَيَّر عَن قوامها المعتدل فتغلظ أَو تشتد دفْعَة أَو تَزُول عَن مَكَانهَا الطبيعي فَتَصِير متأذّية عَن حمل الضَّوْء والألوان الباهرة لَهَا وَأما البيضية فَأن تكْثر جدا أَو تغلظ وَيكون غلظها إِمَّا فِي الْوسط بحذاء النقب وَإِمَّا حول الْوسط وَإِمَّا فِي جَمِيع أَجْزَائِهَا فَيكون ذَلِك سَببا لقلَّة إشفافها أَو لرطوبات وأبخرة تخالطها وَتغَير إشفافها فَإِن الأبخرة والأدخنة الغريبة الْخَارِجَة تؤذيها فَكيف الدَّاخِلَة. وَجَمِيع الْحُبُوب النفّاخة المبخرة مثقلة لِلْبَصَرِ وَأما الزجاجية فمضرّتها بالإبصار غير أولية بل إِنَّمَا تضرّ بالإبصار من حَيْثُ تضرّ بالجليدية فتحيل قوامها عَن الِاعْتِدَال لما تورده عَلَيْهَا من غذَاء غير معتدل. وَأما الطَّبَقَة الشبكية فمضرتها بالإبصار تفرق اتصالها إِمَّا فِي بَعْضهَا فيقل الْبَصَر وَإِمَّا فِي كلهَا فيعدم الْبَصَر. وَأما الآفة الَّتِي تكون بِسَبَب الْعصبَة فَأن يعرض لَهَا سدّة أَو يعرض لَهَا ورم أَو اتساع بهَا أَو انهتاك. العلامات: أما الَّذِي يكون بشركة من الْبدن فالعلامات فِيهِ مَا أعطيناه من العلامات الَّتِي تدل على مزاج كُلية الْبدن وَالَّذِي يكون بشركة الدِّمَاغ فَأن يكون هُنَاكَ عَلامَة من العلامات الدَّالَّة على آفَة فِي الدِّمَاغ مَعَ أَن تكون سَائِر الْحَواس مؤفة مَعَ ذَلِك فَإِن ذَلِك يُفِيد الثِّقَة بمشاركة الدِّمَاغ وَرُبمَا اخْتصَّ بالبصر أَكثر اخْتِصَاصه وبالشم دون السّمع مثل الضَّرْبَة الضاغطة إِذا وَقعت بالجزء الْمُقدم من الدِّمَاغ جدا فَرُبمَا السّمع بِحَالهِ وَتبقى الْعين مَفْتُوحَة لَا يُمكن تغميض الجفن عَلَيْهَا وَلَكِن لَا يبصر. وعلامة مَا يخصّ الرّوح نَفسه إِنَّه إِن كَانَ الرّوح رَقِيقا وَكَانَ قَلِيلا رأى الشَّيْء من الْقرب بالاستقصاء وَلم ير من الْبعد من الِاسْتِقْصَاء وَإِن كَانَ رَقِيقا كثيرا كَانَ شَدِيد الِاسْتِقْصَاء للقريب وللبعيد لَكِن رقته إِذا كَانَت مفرطة لم يثبت الشَّيْء الْمُنِير جدا بل يبهره الضَّوْء الساطع ويفرّقه وَإِن كَانَ غليظاً كثيرا لم يعجزه استقصاء تَأمل الْبعيد وَلم يستقص رُؤْيَة الْقَرِيب وَالسَّبَب فِيهِ عِنْد أَصْحَاب القَوْل بالشعاع وَإِن الإبصار إِنَّمَا يكون بِخُرُوج الشعاع وملاقاته المبصر إِن الْحَرَكَة المتّجهة إِلَى مَكَان بعيد يلطف غلظها ويعدل قوامها كَمَا أَن مثل تِلْكَ الْحَرَكَة يحلل الرّوح الرقيقة فَلَا يكَاد يعْمل شَيْئا. وَعند الْقَائِلين بتأدية المشف شجّ المرئي غير ذَلِك وَهُوَ أَن الجليدية تشتدّ حركتها عِنْد تبصّر مَا بعد وَذَلِكَ مِمَّا يرقّق الرّوح الغليظ المستكنّ فِيهَا ويحلل الرّوح الرَّقِيق خُصُوصا الْقَلِيل. وَتَحْقِيق الصَّوَاب من الْقَوْلَيْنِ إِلَى الْحُكَمَاء دون الْأَطِبَّاء. وَأما تعرّف ذَلِك من حَال الطَّبَقَات والرطوبات الغائرة فمما يصعب إِذا لم يكن شَيْء آخر غَيرهَا وَلَكِن قد يفزع إِلَى حَال لون الطَّبَقَات وَحَال انتفاخها وتمددها أَو تحشّفها وذبولها وَحَال صغر الْعين لصغرها وَحَال مَا يترقرق عَلَيْهَا من رُطُوبَة ويتخيل من شبه قَوس قزَح أَو يرى فِيهَا من يبوسة. والكدورة الَّتِي تشاهد من خَارج ويكاد لَا بصر مَعهَا إِنْسَان الْعين وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute