وهكذا شهد العصر (في منتصف القرن الثاني الميلادي) أربع أسر إقليمية أو قبلية ادعى كل رئيس فيها لقب ملك سبأ. وذلك إلى جانب ملك مأرب الشرعي صاحب لقب ملك سبأ وذوريدان في دولة كانت تسيطر عليها من قبل مملكة واحدة.
وإلى جانب هؤلاء الملوك الخمسة كانت هناك ملكية حمير التي تمسكت هي الأخرى بلقب ملك سبأ وذوريدان وحاولت أن تحققه على حساب هذه الأطراف جميعًا.
وهنا تصدى زعيم همدان علهان نهفان الذي شارك أباه يرم أيمن في رئاسة قومه وفي لقب الملك، لمواجهة الأزمة، وتلمس الحلفاء حوله، ووجد بعضهم في خصوم الأمس، فتحالف مع دولة حضرموت، ومع جماعات حبشية ذكرتها النصوص تحت زعامة جدرت ملك حبشت أو جدورة ملك الحبشة أو الحبش. واختلفت آراء الباحثين في تحديد أصل هذه الجماعات. فذهب رأي إلى اعتبارهم فرعًا من سكان جنوب اليمن أو تهامة الأصيلين نزح بعضهم إلى الساحل الأفريقي المواجه لهم وكان لهم أثر في تكوين جماعات الجعزيين الأحرار الذين نشروا اللغة السامية في الحبشة، وقد عرفوا عند العرب حينذاك بتسمية الحبش على جانبي البحر الأحمر. وذهب رأي ثان إلى اعتبارهم مولدين من مهاجرين أحباش إلى سواحل تهامة تكاثروا عليها ثم عملوا لمصلحتهم في فترات التمزق الداخلي بالانحياز إلى فريق ضد فريق. وذهب رأي ثالث إلى اعتبارهم غزاة من الحبشة استغلوا فترات التفكك التي عمت المناطق اليمنية فاحتلوا مناطق ساحلية واسعة من شمال جيزان وعسير وجزء من ساحل الحجاز، ردًا على التوغل الاقتصادي والبشري العربي على الساحل الأفريقي، وللسيطرة الكاملة على التجارة الأفريقية المنقولة بالوساطة إلى الساحل العربي بعد أن فشلت الحملة الرومانية في السيطرة عليها. وأيا ما كان من هذه التفسيرات فإنها لا تخفى حقيقة واقعة وهي أن تمزق أهل الدولة الواحدة وتضارب مطامع زعمائها وتغليب المصالح القبلية أو الإقليمية فيها على حساب الصالح العام، كل ذلك كان سبيلًا إلى تدخل الأغراب في أمورها.
وجدير بالذكر أن النصوص الجنوبية أخذت تشير في هذه الفترة إلى دور الأعراب أهل البادية باسم أعرب وإلى انضمامهم إلى هذا الفريق أو ذاك. ويبدو أنه أصح لهم دور كبير في فرق الخيالة أو الفرق الراكبة في الحروب.