ولم يتحقق أمل علهان نهفان في إعادة هيبة دولة سبأ وريدان. إلا في عهد ولده شعر أو تر الذي أضاف إلى هذا الأمل هدفًا آخر وهو تحرير الأراضي التي سيطر الحبش عليها ولو استدعى الأمر أن يقاتل معهم من كانوا يحالفونهم من القبائل العربية الأصلية. وقد نجح في تنفيذ أغلب هدفيه وبسط سلطانه على أغلب اليمن وشماله، في أواخر القرن الثاني الميلادي.
ولكن نجاح شعر أوتر كان رهينًا بشخصه، وبعد وفاته عادت الحروب بين السبأيين وبين الحميريين لسنوات طويلة. وتحالف الحميريون فيها مع الأحباش أو الأكسوميين الأفريقيين في عهد ملكهم عذبه أو عذابًا. ويبدو أن هؤلاء الأحباش خططوا للعمل لمصالحهم الخاصة ووجدوا عونًا أو تحريضًا من الرومان الذين تلاقت مصالحهم معهم في استغلال تجارة البحر الأحمر وتقليل نصيب العرب منها. ولم ينفذ الجنوب منهم إلا وفاة عذبه الأكسومي أو الحبشي وقيام الاضطرابات في بلده بعد وفاته.
تلك كانت مجرد نماذج من فترات التشتت والصراع والمد والجذر التي شهدتها دولة سبأ وجيرانها، وقد تكررت أمثالها وتغيرت مواقع الأطراف فيها بين تحالف وتخاصم عدة مرات خلال القرون الثلاثة الميلادية الأولى. والغريب أنه على الرغم من ذلك كله، وعلى الرغم من منافسة ظفار الحميرية لمأرب السبأية في شئون التجارة والسياسة، ومنافسة ذمار (قرب صنعاء) لمأرب أيضًا في شئون العمران-ظلت أوجه النشاط الإنتاجي والتجاري قائمة إلى حد ما. وظلت تثير اهتمام المؤرخين والرحالة الكلاسيكيين المعاصرين لها.
ففي أوائل هذا العصر المضطرب تمت إعادة بناء الهويس الشمالي من سد مأرب (في الفترة بين عامي ١٠٠ - ١٢٠) بعد انهياره الأول المعروف. وإلى هذه الفترة نسب الأخباريون العرب تشييد قصر عمدان الذي أسرفوا في وصفه وتمجيد صاحبه إيل شرح يحضب ملك مرئد- وقد احترق القصر، ثم تم تدميره في بداية العصور الإسلامية وأصبح تلًا خربًا.
ونسب إلى عهد هذا الملك في نهاية القرن الميلادي الثاني إرسال بعثة إلى ملوك غسان والإزدونزار ومذحج وهي من أقدم المرات التي ذكرت فيها أسماء هذه القبائل.
وفي أوائل هذا العصر أيضًا، خلال القرن الأول الميلادي، ذكر الرحالة بليني في كتابه عن التاريخ الطبيعي أمرين متقابلين، ذكر في أولهما أن السفن التابعة للرومان كانت تخرج من برينيكي (قرب أسوان في مصر على البحر الأحمر) إلى ميناء أوكيليس على مضيق باب المندب، أو إلى قنأ في منطقة الكندر