كونه محاربًا، فبقي من أيامه نص ينظم بيع الرقيق والماشية. ويحدد المدة التي يكون البائع مسئولًا فيها عن الحيوان الذي باعه إذا هلك بسبعة أيام. ويبدو أن هذا النص كان جزءًا من تشريع متكامل صدر في أيامه.
ومرة أخرى ارتبطت هذه النهضة الحميرية الكبيرة بشخصية شمريهرعش الثالث ومن قبله بشخصية أبيه قبل أي شيء آخر، بحيث أن بعض أقاليم دولته في حضر موت وفي تهامة، حاولت الانسلاخ عنها في أواخر أيامه أي عندما شاخ عهده. وربما ردها إلى طاعته ولكن إلى حين.
وتجددت المشكلات في عهود خلفائه الأقربين ولم ينجحوا في غير إخضاع حضرموت التي استنفذت قواها، أما الأطراف الغربية لدولتهم فاكتنف الغموض مصيرها.
فقد ورد في ألقاب ملك الحبشة عيزانا الذي يرى بعض الباحثين أنه عاصر خلفاء شمريهرعش المباشرين منذ حوالي عام ٣٢٥م- أنه ملك أكسوم وحمير وريدان وحبشة وسبأ وسلحين وصيامو وبجه وكاسو ملك الملوك. ويبدو أن سيطرته على حمير وسبأ اللتين أوردهما لقبه بعد عاصمته أكسوم. كانت سيطرة مفتعلة أراد أن يمهد بذكرها لمرحلة مقبلة بعد أن أصبحت دولة سبأ وذوريدان في نظره لقمة سائغة طحنتها مشكلاتها الداخلية. ولا يستغرب مثل هذا الأمل المفتعل إذا ما قورن بما حدث بعد كثير من القرون حين أمر الإمبراطور نابليون بسك نوط تذكاري باسمه تمجيدًا لفتحه الجزر البريطانية، وهو أمر لم يتم وبقي النوط تذكارًا لأمل لم يتحقق.
ولم يقتصر هدف عيزانا من هذا اللقب على مجرد الأمل في السيطرة على بلاد الجنوب العربي وما يصل إليها من متاجر، بل كانت وراءه ملابسات أخرى، فقد سمح الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الأكبر بانتشار المسيحية في دولته ابتداء من عام ٣١١م، ثم أصبحت دينًا رسميًا للإمبراطورية في عام ٣٧٥م، واتجهت بعثات بيزنظة في عهده إلى الحبشة وما يجاورها للتبشير بالمسيحية واتخاذ الدين مدخلًا إلى عقد المحالفات السياسية والاتفاقيات الاقتصادية. ونجحت هذه البعثات من ناحيتها الدينية في إطلاق حرية العبادة للمسيحيين من التجار الأغراب ومن تنصروا من رجال البلاط وأهل البلاد التي دخلتها المسيحية. ويبدو أن عيزانا ملك الحبشة قد سايرها على الرغم من أن اليهودية كانت قد سبقت المسيحية إلى بلاده منذ قرون ولكنها ظلت محصورة في نطاقها الضيق وسط الديانة الوضعية الشائعة. ولعله في مشايعته للمسيحية وفي لقبه الذي ادعى فيه سيطرته على سبأ وحمير كان يعمل على أن تكون له الصدارة