وحرمان بيزنطة من امتيازاتها السياسية والاقتصادية فيها. ولكنه لم يكن مطمئنًا كثيرًا إلى إمكان نجاح المحاولة حيث روت المصادر العربية أنه أعانه بفرق قليلة تألف أغلبها من الأفاقين المجرمين تحت رئاسة قائد فارسي يدعى وهرز. وخرجت الحملة في ثمان سفن غرفت اثنتان منها ووصلت الست الباقية إلى عدن أو إلى ميناء قنأ في حضرموت وهناك ضم سيف أنصاره إليهم وانتصر بهم على جيوش ابن أبرهة ولعله المسمى مسروق، في حوالى عام ٥٧٥م.
وكالعادة، لم يكن العون العسكري الأجنبي بغير ثمن يقابله، فقد حكم سيف بن ذي يزن اليمن تحت طاعة الفرس. كما حكمها من قبل سميفع أشوع تحت طاعة الحبشة. وأضافت الروايات العربية أنه لقي مصرعه بعد ذلك على أيدي جماعة من الأحباش، سواء بدافع من كراهيتهم الشخصية له. أو بدافع من تحريض دولتهم، أو بدافع من تحريض الفرس أنفسهم. وقد كان عهد ولده معد يكرب الذي خلفه تحت طاعة الفرس. فيما يذكر المسعودي، عهدًا قصيرًا. وحكم الفرس اليمن بعد ذلك حكمًا مباشرًا، كما فعل الأحباش من قبل، بعد أن أطمأنوا إلى تسليم السكان بالأمر الواقع. فولوا حاكمًا فارسيًا في ظفار، وإن تركوا المخاليف في أيدي الأمراء الوطنيين. وهنا توفر للفرس ما لم يكونوا يحلموا به من السيطرة على مخارج التجارة البرية والبحرية من بلاد اليمن وإليها عن طريق البحر الأحمر والمحيط العربي -الهندي- وعلى الطرق البرية المؤدية إلى الخليج والعراق من ناحية وإلى الشام ومصر من ناحية أخرى، إلى جانب ما كانوا يسيطرون عليه من تجارة الخليج العربي. وتتابع على حكم اليمن ثلاثة أو أربعة من ولاة الفرس كان آخرهم باذان الذي أسلم في عهد الرسول عليه السلام ودخلت بلاد اليمن بعده في الإسلام في عام ٦٢٨م. وانتهى دور المناطق الجنوبية أو العربية السعيدة Arabia Felix في عصور ما قبل الإسلام عند هذا الحد. بينما كانت المناطق الشمالية في شبه الجزيرة تعاصرها في المسيرة، وهو ما سوف نتتبعه في فصول تالية.