للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إصلاحه في عامي ٥٤٢و٥٤٣م. وقد أسلفنا في الفصل الرابع ذكر بعض الجهود الضخمة التي أنفقت فيه حينذاك، وأنه حضر حفل إعادة افتتاحه مندوبون من دول الحبشة والروم والفرس والغساسنة والمناذرة، مما يعني أن أبرهة استطاع أن يوفر لنفسه شهرة كبيرة تعدت حدود اليمن. ولعل هذه الشهرة كانت من العوامل التي خدعته عن نفسه وحقيقة قوته ودفعته إلى غزو مكة ومحاولة هدم الكعبة، سواء باسم التعصب الديني للمسيحية، أم لاستعادة السيطرة على الطريق التجاري الرئيسي الذي كانت مكة قد حققت لنفسها مكانة كبيرة فيه، أم استجابة لدعوة الروم القديمة بإحكام الخناق على المصالح التجارية الفارسية عن طريق ربط الدولة المسيحية الجديدة في اليمن بالدولة الغسانية المسيحية في جنوب الشام وكلتاهما من أولياء بيزنطة.

وقد أثبت القرآن الكريم في سورة الفيل نتيجة هذه المحاولة الفاشلة. وكان من تفسير الزمخشري والطبري: أنه ترتب على ما رمته الطير الأبابيل على جيوش أبرهة أن تفشى بينهم وباء لعله الجدري الذي روى ابن هشام وابن سعد وابن منبه أنه عرف أول ما عرف بأرض العرب في عام الفيل. وعوضًا عما كان أبرهة يأمل فيه من إضعاف مكة، أصبحت هزيمته بها من عوامل ازدياد شهرتها. وربما عاد هو إلى بلده بقلة قليلة بقيت من جنوده. وعندما هلك خلفه ولداه، ولد من أم حبشية كان قد ولاه من قبل على قبائل معافر. وذكره الأخباريون باسم يكسوم، وولد من أم عربية ذكروه باسم مسروق وكان أبوه قد ولاه من قبل أيضًا على قبائل شناتر. وكان كل منهما شرًا من أخيه فضاق الناس بهما وتمنوا تحرير أرضهم من حكمهما.

وتزعم حركة تحرير اليمن سيف بن ذي يزن الذي خلدت الروايات والأساطير الشعبية ذكره، ولكنه لم يستطع بأعوانه أن يناهضوا الغزاة الأغراب أو المهجنين بدون عون خارجي. ربما لأن هؤلاء الغزاة كانوا قد حرموا المواطنين من السلاح أو أشاعوا الفرقة بينهم. ولعل ماروته الأساطير من اضطرار ذي يزن إلى الاستعانة بالسحر والجن. وابتلائه بأم انضمت إلى من اغتصب عرش أبيه، وكثرة مالاقاه من مصاعب وعقبات في تنقله وترحاله- كل ذلك كان يرمز إلى المشكلات التي واجهتها دعوته التحريرية في مجتمعه وخارج بلده. وقد روت المصادر العربية أن سيفًا قصد بلاد الروم واستنجد بالإمبراطور جوستين الثاني ولكنه لم يجد لديه استعدادًا لمعاونته ضد دولة مسيحية حليفة. فتركه إلى ملك الحيرة العربية ليتوسط له لدى ملك الفرس أعداء الروم وأعداء المسيحية. فاستجاب له بعد لأي عسى أن يجد سبيلًا عن طريقه إلى السيطرة على بلاد اليمن

<<  <   >  >>