شمال غرب شبه الجزيرة العربية وبين العراق من ناحية وبين البحر المتوسط من ناحية أخرى. ثم ينتفع بمواردها، أو على أمل أن يستعين بها وبوسطها البدوي على تطعيم جيشه بقوات فتية يستعد بها لمعركة قريبة بينه وبين الفرس، أو على أسوأ تقدير ليهيئ بها ملجأ يبعده عن طائلة الفرس حين الضرورة.
وعلى الرغم من هذه الأغراض الملحةلم يكن نابونهيد موفقًا في سياسته، فاشتد على تيماء التي أراد أن يتخذها قاعدة جديدة لحكمه وفتك برؤسائها وأخضع سكانها وقتل ملكها، ثم أعاد تسويرها وأقام بها بضع سنوات في قصر جديد محصن على مثال قصره البابلي. ومد نفوذه منها جنوبًا على ساحل الحجاز وربما وصل حتى يثرب. وأخيرًا أدرك عقم محاولته فعاد إلى بابل حيث لم يلبث حتى خسر دولته كلها أمام الفرس فى عام ٥٣٨ ق. م ولازالت أغلب آثار هذا العصر البابلي في تيماء مطمورة تحت أنقاض العصور التي تلته.
جـ) في العصر الفارسي:
أدى مشروع نابو نهيا الفاشل في تيماء إلى عكس ما أراده منها، إذ كان من نتيجته أن وجه أطماع الفرس إليها وإلى ما حولها من المناطق العربية بعد أن مدوا نفوذهم على الهلال الخصيب كله. وأحس أمراء بادية فلسطين وما في جنوبها بعنفوان الفرس وشدتهم فآثروا السلامة معهم بحيث روى المؤرخ هيرودوت أن قمبيز ملك الفرس وهو في طريقه إلى فتح مصر في عام ٥٢٥ ق. م. حالف ملكًا من ملوك البادية كان يعبد هو وقومه اللات قرب خليج العقبة. أو بمعنى آخر أجبره. على أن يزوده بالإبل والماء ويرشد جيشه إلى مسالك الصحراء المؤدية إلى مصر, فعالج البدوي مشكلة الماء بملء بطون الجمال إلى حين الحاجة إليه، وعمل على إعداد ما يشبه الخراطيم الطويلة من جلود الماشية لتجري بالماء من نهير في بلده إلى ثلاث قنوات تصب في ثلاثة صهاريج ضخمة بالصحراء.
وأيا ما كان في رواية هيرودوت هذه من الصحة أو من الخيال. فقد رددت نصوص الملك الفارسي دارا أن قبائل أربايا، أي القبائل العربية التي انتشرت في بادية جنوب الشام وعلى أطرافها كانت تؤدي إلى دولته كميات هائلة من البخور والطيوب وما إليها على هيئة الجزى والهدايا. وكان هذا أمرًا طبيعيًا في عصر أصبح الفرس فيه أقوى دولة في الشرق الأوسط من غير منازع بعد أن شاخت بقية دوله الأخرى وتهاوت إلى حين.
وامتد النفوذ الفارسي إلى واحة تيماء نظرًا لما لها من أهمية تجارية. ويبدو أنه كان نفوذًا غير مباشر لم يحس أهل الواحة بشدة وطأته. بحيث أن أغلب ما