إلى مكاسبها، فعمل بعضهم في الإغارة على قوافلها، وعمل بعضهم في حراستها، وعمل بعضهم في المشاركة فيها ثم الانفراد بها. وأدى احتكاكهم بدولة إدوم في جنوب الأردن إلى أن يعتادوا على الاستقرار شيئًا فشيئًا، وأن يمارس بعضهم الزراعة، وأن يستفيدوا بعض الشيء من الحضارة الآرامية إلى أخذ الإدوميون بها. ثم استغل الأنباط ضعف هذه الدولة أمام اعتداءات العبرانيين عليها وسيطروا على أرضها خلال القرن الخامس قبل الميلاد وحلوا محل أمرائها في حكم عاصمتهم التي عرفت باسم رقيم، واسم سلع الذي يعني الصخرة، التي تفصل بين واديين، وقد ترجم الإغريق عن هذا المعنى الأخير باسم بترا فاشتهرت به ولا تزال تعرف بمرادفه البتراء حتى الآن. وهكذا عمل الأنباط بعد استقرارهم في الزراعة كما عملوا في تجارة البر، وربما تطلعوا إلى السيطرة على ما يقربهم من تجارة أيضًا. ولكن جر عليهم نشاطهم في تجارة البر منافسة خلفاء الإسكندر في الشام وآسيا الصغرى منذ أواخر القرن الرابع ق. م. كما جرت عليهن قرصنة البحر وتجارته منافسة البطالمة حكام مصر في العهد نفسه.
وعن هذه المرحلة يذكر ديودور الصقلي أن جيش أنتيجونوس أحد كبار القادة من خلفاء الإسكندر في الشرق أراد إرهاب الأنباط وصرفهم عن محالفة البطالمة فأغار على عاصمتهم بترا ونهبها خلال غياب رجالها عنها للغزو أو للتجارة أو للاحتفال بعيد ديني. ولكن الأنباط لاقوا هذا الجيش في عودته وأبادوا أغلب مؤخرته. وأعاد جيش أنتيجونوس الكرة عليهم بقيادة ولده لينتقم منهم فتحصنوا بمدينتهم التي تحيط المرتفعات بها ولا يتيسر دخولها إلا عن طريق ممر جبلي ضيق يمكن أن تحميه القلة من الرجال. وطال حصاره لهم حتى صالحوه على بعض الهدايا فرجع عنهم.
وكان أقدم من ذكرتهم قصص التوراة من ملوك الأنباط الملك حارثة الأول، ووصفته بأنه زعيم العرب وقصدت بذلك العرب المقيمين في بادية الأردن، وذكرت له شأنًا في منازعات رؤساء العبرانيين بعضهم مع بعض.
غير أنه لم يعثر حتى الآن على نصوص نبطية صريحة إلا من قبيل القرن الثاني ق. م. ثم وضحت أطماع ملوك الأنباط للتوسع قبيل بداية القرن الأول قبل الميلاد. وتعددت معاركهم مع الجيوش السليوكية، وهاجم ملكهم حارثة الثالث دمشق واستولى بجيشه عليها، وسكت فيها عمله رسمية باسمه حوالي عام ٨٥ ق. م. ولكن لم تطل إقامة الأنباط فيها حيث استردها الرومان منهم في حوالي عام ٦٥ ق. م. بعد أن سيطروا على أغلب بلاد الشام.
وأدت فترات التوسع الأنباطي إلى أن استزاد أهله من حضارة الآراميين