بمصالح دولتهم أو الخروج عن طاعتها، فتركوه يستنفذ قواه ضد الحارث بن عمرو ملك كندة ثم عزلوه، وولى قباذ ملك فارس الحارث الكندي على الحيرة في حوالي عام ٥٢٤م-ولجأ المنذر إلى بعض القبائل العربية التي بقيت على الولاء له وخرجت عن نفوذ كندة. ثم استرجع حكم دولته بعد أربع سنوات، وظل العداء قائمًا بينه وبين كندة بعد فشل الحركة المزدكية.
وتعاقب على حكم الحيرة عدة ملوك اشتهر منهم عمرو بن هند ٥٥٤ - ٥٧٤م الذي ألمح الأعشى في شعره إلى أن نفوذه امتد ما بين عمان وبين ملج في أرض اليمامة من بلاد بنى جعدة. وكان قد استغل ضعف كندة فوسع نفوذه على حسابها وتحاربت قواته مع تميم وطيء وتغلب وغيرها.
واشتهر كذلك النعمان بن المنذر ٥٨٣ - ٦٠٥م الملقب بلقب أبي قابوس، واشتهر أمره عند المؤرخين العرب بأقاصيص كثيرة ووصفوه بفصاحة اللسان على الرغم من دمامة خلقته، وكان بلاطه مجمعًا للشعراء فمدحه المقربون إليه منهم وأهمم النابغة الذبياني وهجاه المبعدون عنه. وحاول أن يمد نفوذه من البحرين شرقًا إلى جبل طيء غربًا. غير أن الحروب التي شنها لم يكتب له التوفيق في أغلبها سواء ضد الغساسنة، أم ضد القبائل العربية الأخرى. فذكرت الروايات أن جيوشه انهزمت أمام بني يريوع مرة، وأمام بني عامر مرة، وأمام تغلب مرة أخرى. وكذلك كان حظه سيئًا مع كسرى ملك الفرس بعد أن أوقع خصومه بينه وبينه، فتمكن كسرى منه وسجنه، وتغرق أنصاره عنه، ومات في سجنه.
كان النعمان الثاني هو آخر الملوك العظام في الحيرة، وقد اختلف أولاده على الحكم بعد موته، واستغل كسرى ملك الفرس اختلافهم فولى على الحيرة ملكًا من غير أسرتهم وهو إياس بن قبيصة الطائي وكان من كبار عرب العراق الذين أقطعهم الفرس إقطاعيات واسعة، ووثق به كسرى كما وثق به النعمان نفسه وجعله نائبه، فلما ولي الحيرة في عام ٦٠٥م عاون جيوش الفرس ضد جيوش الروم ليثبت أنه ليس أقل كفاية من المناذرة في نصرتهم، ولكن التوفيق جانبه في علاقاته بأهل الحيرة وجيرانها بحيث قيل: إنه أمضى أغلب عهده القصير الذي لم يزد عن تسع سنوات حتى ٦١٤م خارجها، وتجرأت القبائل العربية على حدود العراق في عهده سواء بتحريض أنصار المناذرة أو لاضطراب الأمور في فارس نفسها.
وحدث أن نشبت حينذاك موقعة خالدة بيبن عرب شبه الجزيرة العربية وبين أعوان الفرس، وكان إياس هو مندوب كسرى في قيادة أعوانه من الفرس والعرب الخاضعين له، فانهزم هو وجنوده، وكانت هزيمتهم بمثابة ضربة لسمعة